شاكر الأنباريان ما يحكم المجتمعات، وينسّق رعاياها في بيئة سلمية متناغمة هو القانون. وما نفتقده في حياتنا هو تطبيق القانون. القانون موجود الا أن تطبيقاته تعاني من خلل كبير. والخلل ثبت على الصعيد العملي في كثير من القضايا التي تهم المواطنين، او تهم مصير البلد برمته.
الاستجوابات التي تجري في مجلس النواب لا تعني شيئا اذا ما تجوهلت الوثائق، والحقائق التي تثبت وجود فساد اداري او مالي، بل وتنعكس سلبا على الثقة بالحكومة والدولة لاحقا. ومثال ذلك وزير التجارة الذي استجوب، واتهم، وقدم الى المحاكمة. لكن تطبيق القانون أجّل وغاب الوزير عن الواجهة. ولا احد يعرف اليوم اين يعيش، وما هو مصيره. غير ان مصير الحصة التموينية معروف للعامة، فهي ناقصة، ورديئة بشكل واضح وصريح. وهذا عكس مصير الوزير. ونحن في العراق اصبحت لدينا تجربة في تمييع القضايا الكبرى والمهمة. ما ان توضع جانبا فترة قصيرة حتى يتراكم عليها الغبار. وذلك لأن احداثا جديدة تطغى على القديمة، ويتم تناسي الماضي بسهولة. ولدينا تاريخ طويل لقضايا همشت ثم قبرت، ولم يطبق عليها القانون. وتطبيق القانون يتم بعد ان ينتهي البحث والتحقيق، وما دام التحقيق لم يتم في تلك القضايا فلا يطمع المواطن المهتم بتطبيق القانون. هناك ايضا برلمانيون هربوا نتيجة وجود أدلة على تعاونهم مع الارهاب، او قيادتهم عمليات ارهابية مثل وزير الثقافة السابق وأعضاء البرلمان الذين هربوا أو نجحت الأيادي الخفية بتهريبهم، ممن ادينوا، لكن القانون لم يطلهم، لأن الجهات القضائية لم تتابع ملفاتهم. في المناطق الغربية، وكانت ذات مرة واحة للارهاب والعنف، تحدث مواطنون عن اطلاق سراح عدد من الارهابيين لنقص في الادلة، رغم ان شهود عيان، وأبناء مناطقهم يعرفون أي نمط من الأمراء كانوا. والبحث في تلك القضايا والادلة الجنائية الموثقة اما تم تجاهله بقصد، او خوفا من الخطر الذي يشكله الارهابيون مستقبلا. تجاهل تطبيق القانون بهذا الشكل جر مآسي على أكثر من صعيد. اذ غالبا ما يعود المجرم للانتقام ممن قدم معلومات عنه، أو يسارع الى عمل أشد خطورة على المجتمع من السابق. تطبيق القوانين الصادرة ينسحب لا على قضايا المجرمين والارهاب والفاسدين فقط، بل على أغلب مناحي حياتنا. ابتداء من قوانين الأسرة وانتهاء بقوانين الاعمار في الوزارات. قانون مكافحة الارهاب يعتبر من أهم القوانين التي ينبغي تفعيلها، أمام هذا السيل من التصريحات، والفضائيات، وخطب الجمعة، ومؤتمرات النخب والعشائر في داخل العراق وخارجه. يصرح واحد من السياسيين تصريحا في ندوة خارج البلد يختلف عن تصريحاته حين يكون في داخله. في الخارج ينطبق عليه قانون مكافحة الارهاب تماما، كون مداخلته جاءت محشوة بالتحريض على الحكومة والدولة ونظام الحكم. طائفيته مكشوفة، وجهويته فاقعة، في حين هو جزء من هذا النظام ما أن يضع قدمه على التراب الوطني. فضائيات تضخ آراء تحرض ضد النظام الجديد، فيما هي تمارس وجودها الحر في الداخل، عبر مكاتبها وكاميراتها ومراسليها، او تمول من قبل حزب يشارك في العملية السياسية. كذلك من يتابع بعض خطب الجمعة سوف يسمع العجب العجاب. لا تحريض على الطائفية فقط بل تحريض على الجميع، عربا وفرساً وأتراكاً وأوربيين وأميركان، وكأن دور هذا الكائن الفظ، القابع في قوقعته، هو اشاعة الكراهية فقط. ومع وجود حرية التعبير التي كفلها الدستور لا يمكن منع أحد من الادلاء بوجهة نظره. لكن وجهة النظر تختلف بين موقف وآخر. المواطن البسيط موقفه يختلف عن المسؤول الذي يقف أمام كاميرا يراها ملايين الناس. ومن هنا تأتي الخطورة.
وقفة: ما نفتقد في حياتنا
نشر في: 20 أكتوبر, 2009: 06:23 م