لطفية الدليمي عندما سئل الجنرال ديغول عن المغامرة التي أقدم عليها بتعيين الاشتراكي والكاتب الروائي والمفكر اندريه مارلو وزيراً للثقافة في وزارة اليمين الديغولي إثر الدمار الذي لحق بفرنسا بعد الاحتلال النازي لها، رد الجنرال ديغول بهدوء وبرود كبيرين ''نحن الآن بحاجة ماسة لوجوده، فهو من سيبني المجتمع الفرنسي، لأن الثقافة هي الأساس الصلب في عملية البناء ''.
rn(الذي لا يوصف هو ما لا يمكن السكوت عليه) عبارة الروائي الاسباني ووزير الثقافة الراحل خورخي سيمبرون استعرتها هنا للحديث عن تجارب وزارات الثقافة في فرنسا ومصر واسبانيا التي أسهمت في إعادة بناء بلدانها في مراحل التحولات وما لا يمكن السكوت عليه من الفظائع بحق حياة الإنسان وثقافته هو أن تعد الثقافة في بلد اخترع الكتابة أمراً غير سيادي وغير أساسي من قبل الساسة والمشرعين، فالأهمية تعطى في ميزانية العراق للرواتب الخرافية المخصصة للنواب والوزراء والرؤساء كما تمنح ميزانية كبرى للتسلح وبناء الجيش مع أن وفرة السلاح لم تنجح حتى اللحظة في ضمان الأمن الاجتماعي وسلامة المواطن والوطن الثقافة مشروع سيادي مستمر تتزايد أهميته بمرور الزمن أما الوزراء فإنهم متغيرون يعملون على تنفيذ المشروع الثقافي لبلدانهم - ليس عبر الأسابيع الثقافية الهزيلة في الخارج ولا عبر المهرجانات والاحتفالات الموسمية بل بالاهتمام الجاد بتراث البلد وصيانته واحترام المنتج الثقافي لمثقفيه والاعتزاز بآرائهم والتأسيس لمستقبل الثقافة دون خضوع لأمزجة القوى المهيمنة ممن لا يقدرون أن العراق باق وهم متغيرون. rn لقد وعى ديغول خطورة دور الثقافة في بناء الوطن وأدرك أن حرب البقاء بين دول العالم المتقدمة هي حرب ثقافية بامتياز وبعده أتى فريدريك ميتران وزير الثقافة الفرنسي في عهد ساركوزي الذي أعاد أمثولة ديغول في جعل الثقافة أساسا لحماية مكانة بلاده وصيانتها من الانتهاك والضياع، فسعى للحصول على اكبر ميزانية للثقافة في تاريخ فرنسا عبر (القرض الكبير) وحقق مشروعه الأهم في الحفاظ على التراث الثقافي الفرنسي من أدب وفنون ومتاحف وتراث موسيقى ومكتبات وأفلام وعمل على (رقمنة) هذا التراث الثقافي الغني وحفظه مستقلا دون أن يجرؤ احد على سرقته أو تدميره..rnوفي هذا السياق سأّذكر وزير ثقافة مصري بذات الأهمية العالمية هو الدكتور ثروت عكاشة الذي تولى وزارة الثقافة لسنوات طويلة وهو المفكر والكاتب والمترجم الذي اصدر سبعين كتابا ورعى المسرح والسينما والنشر وصدرت في عهده عشرات المجلات الثقافية المتخصصة في المسرح والسينما والتراث والأدب والفن التشكيلي ومن جهوده الوطنية البارزة إنقاذ معبد أبي سنبل الفرعوني بعون من اليونسكو بينما تنهب آثارنا في وضح النهار تحت سمع مؤسسات الدولة المسؤولة أساسا عن حماية تراث العراق الذي لا مثيل له إلا إذا كانت هذه المؤسسات لا تحترم التراث السومري والبابلي والآشوري لأنه لا يناسب توجهاتها فهو تراث حافل بإبداعات الشعر والملاحم والموسيقى والفن التشكيلي ونظريات الفلك والرياضيات التي سبقت نظريات علماء اليونان. rn لقد وضع ديغول ومارلو قضية الثقافة كأساس لإعادة بناء المجتمع الفرنسي بعد الاحتلال وفعل ثروت عكاشة الأمر ذاته في مصر ومع هؤلاء المؤسسين يقف الروائي الاسباني الراحل خورخي سيمبرون وزير الثقافة السابق الذي يعده مفكرو العالم الإنسانيون إلى جانب ارنستو ساباتو وادواردو غاليانو في مقدمة المثقفين المناضلين من أجل الحرية وكرامة الإنسان في زمن انتهاك ثقافة الشعوب وتدمير تراثها ونهبه ولي عودة للحديث عن خورخي سيمبرون. rnrn
قناديل:رواد بناء الثقافة: اندريه مارلو وثروت عكاشة
نشر في: 15 سبتمبر, 2012: 07:35 م