علي حسين عبيدالشخصية الواثقة القوية المستقلة، تُبنى كما يُبنى أي شيء آخر، تحتاج إلى أسس صحيحة، وتصميم صحيح، ومواد بناء سليمة، بمعنى غير مغشوشة، ثم تأتي الخطوة اللاحقة والأهم، وهي عملية البناء وسلامة هذه العملية من اللامبالاة والانحراف والضعف.
rnالسؤال الذي يطرح نفسه غالبا، هل يتم بناء الشخصية العربية الإسلامية للفرد بصورة سليمة، تنطبق عليها الخطوات المذكورة في أعلاه؟، وهل تتوافر الظروف الملائمة لخلق شخصية واثقة مستقلة، قادرة على النأي بنفسها عن الانخراط في ثقافة القطيع؟، إن الإجابة يؤشرها كثير من ردود الأفعال والوقائع التي تظهرها الشخصية العربية الإسلامية، تجاه كثير من المواقف والأحداث، سواءً كانت خارجية أم داخلية، وسواءً كانت فردية أو جماعية.rnلقد أثبتت الوقائع التاريخية المتتابعة، أننا لم نستطع أن نبني الفرد بالطريقة التي يجب أن تكون عليها شخصيته، كي تصمد أمام الاستفزازات التي تصدر من هنا أو هناك، ولعل الخطأ الأكثر وضوحا أن النسق التربوي في المجتمع العربي الإسلامي، ألغى شخصية الفرد وذوّبها في شخصية الجماعة (العائلة/ المجتمع)، فظهرت لنا هذه الشخصية تابعة مهزوزة متسرعة، تتأثر بسرعة، وتُستفَز بسرعة، بالكلام والصورة والتصريح والموقف، وتندمج مع رأي الجماعة قبل التفكير باتخاذ رأي فردي مناقض أو مستقل حتى لو كان هو الصحيح.rnكثير من الاحداث تؤكد ما ذهبنا إليه، فالإنسان لدينا يبدأ طفلا في أحضان أمه، ترعاه وتحميه، وكذلك يفعل الأب، ولكن المشكلة إن هذه الحماية والرعاية تستمر إلى عمر متقدم مع إلغاء متواصل لشخصية الابن أو البنت، لذا تبقى أو يبقى الطفل حتى بعد أن يشتدّ عوده تابعا إلى غيره، مع فقدان متواصل للرأي المستقل، لذا تنشأ شخصيته وتبقى تابعة لا رأي لها، تفضل رأي الجماعة، وتندمج مع القطيع، بل تخشى الخروج عليه.rnمن هنا نشأت الحكومات المستبدة، والحكام النمور، إذ تجده نمراً من ورق، يتنمّر على شعبه، ويذبحه ويسرق حقوقه ويستهين به، ولكن حين تهبّ عليه قوة بسيطة تطيح به من علياء عرشه لتؤكد انه ليس أكثر من نمر ورقي، كما أثبتت الوقائع القريبة مع كثير من الحكام العرب، لذا فالشخصية العربية الإسلامية الحاكمة أو المحكومة تفتقر لنزعة الاستقلال، والقناعة الفردية، مع اندماج آلي بالجماعة، وخوف أزلي من قول الرأي المعاكس للجماعة، أو إبداء الفعل المخالف، والسبب كما يتضح دائما، هو النهج التربوي السقيم الذي تبديه العائلة ثم المدرسة ثم المحيط الجماعي صعودا إلى المجتمع العام الذي يجهد نفسه لكي يقتل الفردية وقدراتها ويذيبها في بوتقة الجماعة التي تلغي الرأي والفعل الفردي.rnبالنتيجة ينحسر أفق العقل للإنسان، ويبدو ذا مسار واحد تابع لا إبداع فيه ولا تجديد، ولا جرأة على الطرح الآخر الذي يختلف مع رأي الجماعة أو فعلهم، وبالنتيجة أيضا نحصل على مجتمع ذي عقل ضيق الأفق، تحكمه ثقافة القطيع، ويكون مستعدا للاستفزاز دائما، بل يستقبل الاستفزاز ويتعامل معه بسرعة لا تخطر على بال كما هو الحال مع المجتمع العربي الإسلامي.rnبطبيعة الحال النخب المتصدرة تتحمل الجزء الأكبر لضيق أفق العقل العربي الإسلامي، وخضوعه شبه الدائم لثقافة القطيع، ونعني بالنخب، كل من يتصدر الثقافة والدين والسياسة والتعليم وسواه، أما الفرد فهو يأتي إلى الحياة ويدخل الساحة ليجد نفسه مكبلا بالجماعة وثقلها وأحاديتها وضيق آفاقها.rnأما الدلائل عن هذه الشخصية العربية الإسلامية المهزوزة التي تقع غاليا تحت رحمة ثقافة القطيع، فهي كثيرة ومتتابعة، وغالبا ما تكون نتائجها مؤلمة ومؤسفة بل ومثيرة للهزء، كما حدث مؤخرا في التعامل مع الفيلم الغربي المسيء للمقدس الإسلامي، إذ هناك عشرات الأفلام ومئات الإساءات ضد الإسلام مرت مرور الكرام، ولكن حين يكون الاستفزاز والإعداد له حاضرا (بفعل الصراعات والحسابات الدولية/ وهو موضوع آخر سيحين الحديث عنه لاحقا)، فإن ثقافة القطيع تكون حاضرة أيضا، مع غياب للأفق الواسع للعقل، وضمور للرأي المتأني المستقل والتفكير الفردي المنطقي.rn
الأفق الضيّق للعقل العربي
نشر في: 15 سبتمبر, 2012: 07:38 م