يحيى الكبيسي كانت قضية السيد الهاشمي منذ البداية قضية ذات بعد سياسي في المقام الأول، بدت معها محاولة الـتأكيد على البعد القضائي البحت للمسألة مجرد حديث طوباوي لا علاقة له بالواقع. ولكن ما يعنيني هنا، بعيدا عن السجال السياسي العبثي حول هذا الأمر، هو مجموعة علامات استفهام كبرى تتعلق بالأبعاد القانونية للقضية بوجه عام، وبأداء القضاء العراقي بوجه خاص.لقد قامت قيادة عمليات بغداد يوم 17/12/ 2011 بالإعلان من على قناة "الدولة" الرسمية عن عرض اعترافات بعض أفراد حماية السيد الهاشمي،
rn نائب رئيس الجمهورية، ولكن مؤتمرا صحفيا للناطقين الرسميين باسم وزارة الداخلية وعمليات بغداد، يعلن عن تأجيل بث الاعترافات "بناء على أمر مجلس القضاء الأعلى".rn وقد أعلن القاضي عبد الستار البيرقدار، الناطق الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى في المؤتمر أن "السلطة القضائية توصلت إلى وجوب عدم عرض اعترافات الشبكة الإرهابية وذلك لحين استكمال جميع التحقيقات الخاصة بقضايا المتهمين فيها"! طبعا لن نسأل في هذه المرحلة كيفية تحديد موعد لعرض الاعترافات من دون استكمال التحقيقات! ولكن ما يهمنا هو حضور الناطق الرسمي باسم مجلس القضاء، وإعلانه أن السلطة القضائية هي من توصلت إلى ضرورة تأجيل عرض الاعترافات. rn وبعد 44 يوما، تحديدا يوم 31/1/2012 جاء تصريح عن مجلس القضاء الأعلى يؤكد أن ثمة جلسة ترأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى وحضرها رؤساء الأجهزة القضائية ورؤساء المناطق الاستئنافية عقدت في 24/1/2011 من أجل توضيح "بعض الحقائق القضائية التي يتناولها الإعلام بين الحين والآخر والتي غالباً ما تسبب خلطاً بين ما يخص عمل السلطات القضائية وعمل السلطات والجهات الأخرى"، ومن بين هذه القضايا عـرض صور المتهمين واعترافاتهم بارتكابهم جرائم. وأن ثمة من يظن أن القضاء هو من أمر بنشر وبث هذه الاعترافات على شاشات القنوات الفضائية، وبين المجتمعون "أن هذا الظن خاطئ ولا يقوم على دليل لأن السلطة القضائية تتبع المبدأ القضائي كـــون المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، حيث لم نجد قاضي تحقيق أو هيئة قضائية قد أمر بنشر هذه الاعترافات وإنما السلطة التنفيذية أحياناً تبادر إلى نشر تلك الاعترافات عبر تصريحات بعض المسؤولين فيه، لأسباب ترتئيها ربما لتطمين الرأي العام". وعلامة الاستفهام الكبرى الأولى هي: إذا كان مجلس القضاء لا علاقة له بالأمر، فلماذا يحضر الناطق الرسمي باسم المجلس هذا المؤتمر، وهي المرة الأولى التي يحضر فيها الناطق الرسمي لمجلس القضاء الأعلى حفلا غوغائيا لاعترافات علنية، ويصرح هذا التصريح الذي يعني ضمنا أنه في حالة استكمال التحقيقات فسيتم عرض الاعترافات!وعلامة الاستفهام الثانية هنا أن بيان مجلس القضاء الأعلى جاء ليكذب "ظن" من يعتقدون أنه أمر ببث هذه الاعترافات. ولكن الأمر لم يكن "ظنا" بأي حال من الأحوال، وإنما تصريح رسمي موثق بالصورة والصوت عن الناطق الرسمي باسمه يؤكد فيه على دور للمجلس في عرض هذه الاعترافات. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كان هناك تصريح موثق بالصورة والصوت آخر لرئيس مجلس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي في مؤتمر صحفي بتاريخ 21/12/2011 ردا على سؤال وجهته مراسلة "السي أن أن" حول مدى قانونية عرض الاعترافات الموجهة ضد السيد طارق الهاشمي عبر وسائل الإعلام، وتأثيرها على سير العدالة، قال بالحرف: "لم تعلن الاعترافات إلا بأمر قضائي... أنا لم أقم بنشره ولم أسمح بنشره حين التقيت مباشرة مع القضاة، وسألتهم: تسمحون؟ في البداية قالوا لا نسمح إلا بعد 24 أو 48 ساعة، بعد 24، 48 ساعة قالوا: نسمح. إذا، نحن لم نخالف وإنما انسجمنا مع قضائنا، ونحن نحترم القضاء". وقد كرر السيد المالكي هذا الكلام أكثر من مرة بعد ذلك، كما كرره أقطاب دولة القانون من بعده. وعلامة الاستفهام الكبرى هنا هي: لماذا يسمح مجلس القضاء، وقضاته من ورائه، للسلطة التنفيذية بالاطلاع على نتائج التحقيقات القضائية أصلا؟ وألا يعد هذا انتهاكا لمبدأ الفصل بين السلطات، ولمبدأ استقلالية القضاء؟ rnوالأهم أن بيان مجلس القضاء الأعلى لم يشر من بعيد أو قريب عن أن عرض الاعترافات بهذا الشكل يمثل انتهاكا صارخا للدستور والقوانين النافذة. rnفهو انتهاك لأحكام المادة من المادة 17/أولا من الدستور العراقي التي تنص على أن: (لكل فردٍ الحق في الخصوصية الشخصية، بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين، والآداب العامة).rnو هو انتهاك لأحكام المادة 19/ خامسا وسادسا من الدستور اللتين نصتا على أن:(المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمةٍ قانونيةٍ عادلةٍ، ولا يحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرةً أخرى بعد الإفراج عنه، إلا إذا ظهرت أدلةٌ جديدة). وأن لكل فردٍ الحق في أن يعامل معاملةً عادلةً في الإجراءات القضائية والإدارية.rnو هوانتهاك لأحكام المادة 57 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 بفقراتها الثلاثة التي بينت على وجه التحديد الأشخاص الذين يمكن لهم حضور إجراءات التحقيق، واعتمدت مبدأ سرية الإجراءات التنفيذية. rnو هو انتهاك لأحكام المادة القسم ( 19) من قانون إدارة السجون ومرافق احتجاز السجناء (المذكرة رقن 2 الصادرة عن سلطة الائ
بعيداً عن الهاشمي.. قريباً من القضاء
نشر في: 15 سبتمبر, 2012: 07:40 م