احمد المهناوجود صور علي خامنئي، الزعيم الروحي للثورة الايرانية، في بعض شوارع بغداد اشارة ليست عابرة، بل هامة بدرجة تستدعي نوعا من المساءلة، خصوصا وان شيعة العراق وُصفوا مرارا وتكرارا بالتبعية لإيران، كما دافعوا عن أنفسهم أيضا مرارا وتكرارا ضد هذا الاتهام.
صحيح ان قوى الاسلام السياسي الشيعي في العراق ترتبط بعلاقات وطيدة مع جمهورية ايران الاسلامية، وبعضها تأسس فيها أصلا. كما ان "التحالف الوطني" يمثل مصلحة استراتيجية لايران. ولكن هذه القوى جميعا تتحدث بلسان "عراقي" و"وطني"، وتؤكد في خطاباتها على استقلايتها، عن ايران طبعا. وقد اعتاد كل منها في المناسبات، او من دون مناسبات، رفع صور زعاماته العراقية. فمن اذن وراء تعليق هذه الصور؟ لا توجد قوة سياسية شيعية يمكن ان تقول انها فعلت ذلك، وبالتالي قد لا يعرف الفاعل أبدا. وامتناع "الجاني" عن الاعتراف بفعلته أمر جيد، لأنه تعبير عن قيامه بعمل مرفوض أو مستهجن. وهو كذلك بالفعل.ان رفع صور الزعماء العراقيين أنفسهم أصبح امرا مستنكرا، فما بالك بزعيم ايراني.ولكن الجانب السيء في الموضوع هو ان الصور موجودة منذ رمضان الفائت، وانها لم تلفت الاهتمام إلا في الايام القليلة الماضية. ما يعني أنها لم تكن مستفزة كثيرا، بل وربما مقبولة لدى البعض. وقد كان بين هذا البعض نائب أرجع تعليق صور خامنئي الى الحرية التي تسمح بذلك كما تسمح بتعليق صور لعبد الناصر وهو غير عراقي أيضا! ومعنى كلامه أن وجود تيار ايراني في البلد مقبول قبول التيار الناصري. وهذا معنى غير معهود في ماضي السياسة العراقية، والله يعلم ما إذا سيغدو مقبولا في مستقبلها.ومع ذلك فان الحقيقة الواقعة هي ان هذه الصور لم تكن مستفزة بالدرجة التي كان يمكن ان تكون عليها لو كانت هذه الصور للعاهل السعودي. وهو ما قد يعني ضعف "التحسس" لدى الجمهور الشيعي تجاه ايران مقابل قوته تجاه السعودية. وفي الحالين فان "الحساسية" تظهر على انها من نوع طائفي، وليس من نوع وطني. وهذا على العموم ليس كشفا، فالطائفية اليوم اقوى الايديولوجيات المهيمنة في البلاد.ولكن رغم ذلك فان صور خامنئي في بغداد تطرح سؤالا من زاوية النظر التالية: هل "الديمقراطية"، من هذا النوع القائم، تقوِّي أم تضعف "الوطنية"؟إن الصور بحد ذاتها حلقة، فاقعة الى حد ما، في سلسلة برهنت، حتى الآن على الأقل، ان "الديمقراطية" المطبقة أضعفت العواطف الوطنية لحساب أهواء أخرى كالطائفية والعشائرية. وربما كانت الديمقراطية خطرة عموما على تماسك أي شعب لم يعمل اسمنت الوطنية على ربطه الى بعضه ربطا ملائما. فهذه بمثابة أرض تمهد لتلك. يوجد الوطن أولا ثم تأتي الديمقراطية. الأول صناعة الجماعة الموحدة. والأخرى صناعة الحرية في طريقة حياة افرادها. الديمقراطية عملية بناء عقلانية تشتغل في دولة تشكلت بعملية بناء اسطورية. ان الوطن واقعة جغرافية. والوطنية هي تحويل هذه الواقعة الجغرافية الى حقيقة نفسية، أو الى ايمان. وهذا الايمان يتغذى برموز وأدوات صغيرة واخرى كبيرة، من العَلَم والنشيد الوطني والجندي المجهول والمطبخ والفولكلور الى وسائل الإعلام والآثار والآداب والفنون صعودا الى السياسة. ولكن السياسة، على عهد عراق صدام أو في طورها "الديمقراطي"هذا، تحولت الى فعل إنضاب للوطنية، عكس تأثيرات رموز وأدوات أخرى مثل أسد بابل، يوسف عمر، ألف ليلة وليلة، قلعة أربيل، السمك المسقوف، السياب، تحت موس الحلاق، ونصب الحرية. وهذه الرموز وأشباهها هي ما يبقي العراق حيا معاندا الموت الخامنئي وكل موت سواه. إن "الباجة" تغذي و"الديمقراطية الفتية" تأكل الوطن. ولابد من اعادة توحيد طريق الصناعتين لإنتاج ديمقراطية وطنية.
أحاديث شفوية: صور خامنئي وسؤال الوطنية
نشر في: 15 سبتمبر, 2012: 09:40 م