TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تحت المجهر: السلوك الإجرامي عند المراهقين (1)

تحت المجهر: السلوك الإجرامي عند المراهقين (1)

نشر في: 16 سبتمبر, 2012: 06:41 م

 د. معتز محي عبد الحميدتعتبر فترة المراهقة فترة حساسة وحرجة، يظهر فيها الكثير من التغيرات الجسمية والنفسية والاجتماعية في حياة المراهق، بحيث تؤثر في سلوكه، ويبدأ في تفحص منظومة القيم التي تشرَّبها منذ الصغر، ويأخذ سلوكه بالاستقلال شيئاً فشيئاً عن الأسرة، تعبيراً عن إثبات الذات، ليلتحق بمجموعات الأقران الذين يشكلون مجتمعه المثالي، الذي يتشرب معتقداتهم ويأتمر بأوامرهم، وبذلك فإن ملامح السلوك السلبي أو الإيجابي تظهر عند المراهق تبعاً للنماذج الجديدة،
 التي أصبحت تؤثر فيه، ولنظرته الجديدة للحياة، وقد تكون هذه المرحلة بيئة خصبة لظهور ملامح السلوك الإجرامي إذا تهيأت لها الظروف المناسبة .لقد حاولت النظريات البيولوجية والاجتماعية تفسير الظاهرة الإجرامية عند المراهقين، إلا أنها اصطدمت بالكثير من الانتقادات، مما استدعى الأمر تدخل علماء النفس في تفسير ظاهر السلوك الإجرامي، حيث يرجع بعض علماء النفس سلوك الجريمة إلى الحرمان العاطفي، الذي قد تعرض له المراهق خلال فترة الطفولة، نظراً لأن المجرم شخص لا يهتم بأحد سوى ذاته، ويتميز سلوكه بعدم الثبات، ولا يُعتمد عليه. ويعتبر النبذ الوالدي من هذه الأسباب أيضاً، حيث الإهمال والمعاملة القاسية، والتعرض للعقاب البدني، إضافة إلى التفكك الأسري؛ كالطلاق والانفصال بين الزوجين، والمشاجرات المستمرة بينهما، والمعاملة المتذبذبة وغير الثابتة من قبل الوالدين وتلك لا ترسخ في الطفل قواعد السلوك المقبول اجتماعياً، فيقع في حيرة من أمره في الحكم على السلوكيات الجيدة من الرديئة، ناهيك عن الحرمان من الحب والعطف والانتماء للمجتمع الذي يعيشون به، وبذلك فإنهم يكونون عاجزين عن منح هذه المحبة للآخرين، بل يشعرون على الدوام بالرغبة  في الانتقام.ويقدم علماء النفس السلوكي تصوراً عن نشأة الجريمة، مضمونه أن الجريمة نشأت من جراء عملية تعلم خاطئة وكانت محاطة بنماذج سيئة، وعلى الأخص الآباء إذا كانوا غير مسؤولين هم أنفسهم والذين يتصفون بسوء المعاملة، وكذلك أقران السوء العدوانيين، وقد ترجع الجريمة إلى عوامل أخرى كأفلام الرعب والسينما، لذلك فإن الظروف البيئية التي عايشها الطفل أو المراهق تكون مساعدة تماماً على انتهاج سلوك الجريمة، وحل المشكلات اليومية عن طريق العنف والعدوان، بدلاً من الحوار وتحكيم العقل والمنطق، بل إن السلوك الإجرامي ممجد في هذه البيئة الأسرية أو الاجتماعية، وينظر إلى المراهق العنيف بأنه البطل والنموذج الذي يحتذى به، كونه أخذ حقه بيده، دون الاعتراف بالسلطات القانونية العليا المتمثلة بالأجهزة الأمنية والشرطية.وقد يرجع السلوك الإجرامي  عند المراهقين إلى الفشل في عملية التنشئة الاجتماعية، حيث ظروف المراهق الأسرية والاقتصادية، التي تتصف بالفقر أحياناً والتفكك الأسري أحياناً أخرى، دون أن يجد المراهق النموذج والمثل الأعلى الذي يقتدي به، ويتشرب منه السلوك السوي المقبول اجتماعياً، حيث يفتقد المراهق دور الأب كمربي وناصح ومقوّم لسلوكه.وفي ظل مجتمع يمجد المال والشهرة، يظل المراهق يسعى نحو هاتين القيمتين، بحيث يفقد سلوكه مقومات السلوك الاجتماعي الباحث عن الفضيلة والخير للمجتمع، ويستبدل ذلك بالأنانية والبحث وراء الذات، مهما كانت الوسيلة دون النظر إلى الأخلاقيات والمثل العليا، التي لا تعتبر مقوماً أساسياً في حياته، بل أكثر من ذلك حين يلازمه شعور بعدم المبالاة نحو حقوق الآخرين.وفي إطار هذه الظروف الأسرية والاجتماعية المحيطة، يلجأ المراهق إلى أن يأخذ بالقوة ما يعجز عن أخذه بالصورة المشروعة، والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم، بوصفها حقاً له من هذا المجتمع الذي لم يعطه شيئاً، ويساوره شعور بالظلم يلجأ إليه بينه وبين ذاته كتبرير لسلوكياته العدوانية، ويحقق احتياجاته التي حرمه منها المجتمع عن طريق الانضمام لزمرة من رفاق السوء، كتعويض عن الحاجة للشعور بالانتماء، التي افتقدها في وقت سابق من حياته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram