اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > اوراق: مملكة القارئ

اوراق: مملكة القارئ

نشر في: 20 أكتوبر, 2009: 06:37 م

محمود عبد الوهاب القارئ ، في طروحات نظريتي التلقي والاستجابة ، هو فاعل ومنشّط للنص المقروء ومؤلف ثانٍ له ، فالقراءة ، كما يرى ( إيزر ) هي اللحظة التي يبدأ فيها النص بإحداث أثر ما في قارئه .أهم ما جاءت به النظرية الأدبية في منتصف القرن الماضي هو تحويل الانتباه إلى القارئ ،
والاهتمام بدوره في تفعيل النصوص . توصيف( القارئ العادي ) الذي جاءت به (فرجينيا وولف) فقدَ مدلوله في راهن النقد الحديث ، وظهرت توصيفات جديدة للقــارئ في المنهجيات الحــديثة مثـــــل ( القارئ النموذجي ) و ( الأمثل ) و ( الفائــق ) و ( المثالي ) التي تُفصح عن إقرار صريح بامتلاك القارئ القدرة الناشطة على إعادة إنتاج النص ، يكون القارئ فيه مؤلفاً ثانياً بعد  مؤلفه الأول . ما يميّز القارئ النموذجي من القارئ العادي أن الثاني يكتفي بقراءة المعنى اللغوي التقليدي للنص ، بينما يستجيب القارئ النموذجي للتفاعل الذي يحصل بينه وبين النص المقروء ، ويعني هذا "التفاعل " عملية ممارسة ما يفعله النص بقارئه ، فالقراءة هنا ليست عملية لاكتشاف ما يعنيه النص ، بل ما يفعله . القارئ العادي يشاهد بعينيه سطح النص ، بينما القارئ النموذجي مكتشف لما وراء النص ، ومن هنا فعلى القارئ المكتشف أن يهيئ عُدّته للحفر في باطن النص عميقاً . إن أضواء الدلالات العميقة للنص تجتذب القارئ وهو يتلقّى من الداخل إشارات تحريض للإيغال في ما وراء السطح ، فسطح النص علامات متشابكة متداخلة ينبغي للقارئ أن يخترقها وإلاّ كـان مستهلكاً للنصوص لا منتجاً . كيف يخترق القارئ تلك العلامات ؟ . يرى ( إمبرتو إيكو ) أن النصّ ليس    نسيجاً من الدلالات الصريحة، لكنه قارة رهيبة من المسكوتات التي يتوجب على القارئ ملء فراغاتها واستنطاق مكنوناتها ، فالنص آلة كسولة تحتاج إلى من يضيف إلى هيكلها معانيَ أُخَر . ويرى (بول ريكور ) أن القراءة لا تقف عند حدود الفهم واجتراره ، إنها تتــجاوز المفهوم إلى مستوى الانفتاح وتوليد الدلالة ، ويؤكد ( إيزر ) أن القــــارئ " نظام مرجعي "  للنص  يتم التواصل بينهما بما يضيفه القارئ إلى النص من الإحالات الكامنة داخله .  تتفق هذه المنهجيات على أن القراءة إضافة إلى النصّ بالتفسير والتـأويل ،  لكنّ ( إيكو ) يحترز من النشاط الطليق في التأويل الذي يُسقطه القارئ على النص من ذاته مما يولّد قراءات ذُهانية ومنحرفة ومَرَضية . إن سؤالاً ينبغي أن يطرح الآن : إذا كان نشاط القارئ التأويلي بملء الفجوات والفراغات داخل النص واضحاً في منهجيات الدراسات الحديثة ، فلماذا لا يفكّر كتّاب التحديث بتصميم نصوصهم على وفق تلك المعرفة؛ لحمل القارئ على المشاركة التعضيدية في بناء خطاباتهم ؟. قد نجد إشارات لذلك عند عدد من الكتاب ، وهي إشارات تخصّ صنعة الكتابة  . يشير ( آلان روب غرييه ) إلى ضرورة الإقلال من الصفات في كتابة الرواية ، وأرى أن سبب ما ذكره (غرييه ) ربما يعود إلى أن الصفات كثيراً ما تكون كابحاً لخيال القارئ أو أنها بالمعنى الذي جاءت به نظرية  القراءة ، لا تتيح للقارئ الاستعانة بـ ( مستودعه ) أي خبرته في ملء فراغ الصـفة. إن جـملةً مثل ( .. . القرية الواقعة على الجبل ...  ) لا تتيح للقارئ أن يستدعي في خياله قريته التي ربّما تكون على مقربة من المدينة ، بســــبب تقييد الكاتب مخيلة القارئ ومشاركته التعضيدية بـ (الصفة) التي هي  (الواقعة على الجبل). إشارات صنعة الكتابة هي في "جوهرها "  طموح الكاتب إلى أن يتفاعل نصّه مع قارئه. مملكة القارئ تتأسس  باستجابة القارئ إلى " الجميل " استجابة فاعلة ، وتوسيع نطاق حساسيته متعةً وثقافة وبناء رؤية جمالية – معرفية يستحق بها أن يحمل القارئ صفة القارئ النموذجي والأمثل والفائق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram