حسين العسلاوي عادة ما ترافق التحولات العميقة في أي مجتمع مخاضات عسيرة وخانقة قد لا تتخطاها الجماعات المشتتة الخارجة من رحم الضياع ببساطة ميسورة كون هذا الضغط يضمر في جميع أوجهه صورة أخرى لأفراد يعانون عدم الانسجام والانصهار الاجتماعي ، وبالتالي تسلبهم القدرة على تكوين مجتمع متنامٍ متجانس يمثل تكتلا مدنيا تقودة تحركاته وأنشطته المتقاربة في التصورات إلى بلورة شكل متداخل بطريقة مرنة ينتج منها (دولة) بمفهومها العام وآلياتها الحاضنة
rn للمكونات البشرية التي تسعى إلى مغادرة مساحات المراقبة والتشتت .. وهذه بجميع تفاصيليها (أقصد ) مراحل الانتقالات والقفزات تشكل وجه المجتمع الأخير ، ومقياس نوعيته لمواجهة التحديات بغية إكمال مسيرته وصيانة ديمومته ، للحفاظ على بقائه وسط شد دولي متلاحق يروم تقزيم وتحجيم هذا المجتمع ليس بقصد الاحتلال التقليدي أو إنهاء فاعليته ، لكنها كجزء من طبيعة الدول تحاول ابتلاع أي مجتمع يغادر مرحلة التكوين الأولى ، ويلتحق بمراحل النمو والإنتاج الفعال. ودون شك فان التغلب على هذه التحديات يعتبر مهمة مركبة تستدعي أفرادا وجماعات يتحركون وفق منطلقات عابرة لتخوم العزل والفهم المنحاز ، من اجل بناء الدولة التي نتحدث عنها ، والمجتمع العراقي لم يبلغ بعد هذه المرحلة المتسامية بل مازال حبيس القيود الثقيلة التي تحركها القبيلة والسياسة والدين ، كما انه بسيط وساذج يمكن خداعه لاسيما حين توهم بأن الدولة تبنيها القوى الماسكة بزمام الأمور ، وهذا من أعظم الأخطاء التي سقط فيها المجتمع بعد التغيير ، وعندها فقد إمكاناته وثقته على بناء وحدته السياسية ، وطبعا هكذا مجتمع لايمكن له بكل الأحوال أن ينتج دولة ، وذلك يأتي معاكسا للمجتمعات الغربية التي استثمرت فترات التحول رغم خطورتها لبناء هيكل جديد يتناغم مع حركة العصر وإيقاعاته المتسارعة ومنها على وجه السرعة دول مثل( اليابان وألمانيا )، اللتين تعرضتا إلى نكبة الحرب الكونية الثانية ولم تتعثرا بما حصل عندهما من قطع وفاصل بين تأريخهما قبل الحرب وبعده .. إلا أن هذه التجربة وما تحمله من غنى وقيمة لم تنسحب على المجتمع العراقي ، الذي في كل نكبة يعود ويؤسس من جديد لحياته المستقبلية ولحين اختمارها واتضاح ملامحها تجتاحه هزة عنيفة مغايرة تزلزل أسسه البنوية ، ومعها يفقد ما شيّد وإن كان بسيطا ، هذه الظاهرة امتدت طوال تسعين عاما من تأسيس السلطة الملكية وحتى اللحظة الراهنة لم يفارق المجتمع العراقي صورة التكوين الأبجدية ، بمعنى آخر لم تتمكن هذه الجماعات المتمايزة ، من تصدير نخبة تمثل مجتمعا مدنيا متراصا ومدركا ومسؤولا عن ولادة دولة ضامنة للحياة ودائمة البقاء لاتسقط عند أول اختبار تمارسه السلطة بأذرعها المتصارعة بهدف الوصول إلى ناصية الحكم ، كما يلاحظ الآن من نزاع شديد الوطأة تغذيه أجنحة وأجندات كثيرة ، وبالنتيجة فان هذا الشكل من الحكم يقتل روح المبادرة ويسهم في تمزيق أي مكون اجتماعي يرغب بتأسيس دولته وسلطته وفق مقاسات تخدم الإنسانية ، ليس الحزبية كما يدور حاليا ، لذا فان التكتلات في العراق ستبقى بعيدة عن إنتاج دولة أو حتى نوع آخر من الحكم يوفر لها الضمان بغض النظر عن الآلية التي يتعامل بها هذا النوع شريطة أن تكون غير تعسفية .. بيد أن الخريطة الاجتماعية في العراق لاتمنحك التفاؤل على قدرة الأفراد بالقيام بإنشاء وتأسيس الدولة المرتقبة التي ظلت ساكنة فقط في مخيلة المُنظّرين والكُتّاب لكنها لم تر النور فعلياً.rn
مجتمع لاينتج دولة
نشر في: 17 سبتمبر, 2012: 06:35 م