عدنان حسينصديقة لي (هي نفسها التي ذكرتها الأسبوع الماضي) نصحتني أن أعطي نفسي "استراحة المحارب" لبضعة أيام أو أسابيع في "معركتي" مع الطبقة السياسية المتنفذة برمتها (حكومة وبرلماناً)، واقترحت أن أوجّه اهتماماتي نحو "قضايا اجتماعية عامة"،
لكنها تركتني في حيرة لعدم إيضاحها ما إذا كانت تعني القضايا الاجتماعية من قبيل الطلاق وتعدد الزوجات مثلاً أم من قبيل بطالة الخريجين ورواتب المتقاعدين.وعند ظهر أمس جاء "المدد"، فبعض أصدقاء الفيسبوك أوصلوني بحملة سرت سريعاً في قنوات موقع التواصل الاجتماعي هذا دفاعاً عن "أبو الشوارع" في عاصمتنا، شارع أبو نواس (الأب الأكبر، شارع الرشيد له منا خالص التعزية والذكر الطيب بعدما غدا "علوة" من الدرجة العاشرة).الحملة أوقدت شعلتها الناشطة المدنية المعروفة السيدة شروق العبايجي بالتذكير بالتقرير التلفزيوني الذي بثقته قناة "الحرة عراق" الليلة قبل الماضية (أعدته الزميلة الشابة النشيطة صابرين كاظم) عن "القصابخانة" الجارية في الشارع الذي نُعد الأيام، بل الساعات، انتظاراً لعودته إلى عهوده الزاهرة وألوانه الزاهية وحياته النابضة (في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي).كتبت شروق "الأعزاء.. نقلت الحرة تقريراً عن مشروع تحويل مناطق واسعة من حدائق أبي نؤاس الى شارع مبلط وبارك للسيارات. وأظهر التقرير انهم قد بدأوا بقلع الاشجار لتمهيد الطريق.. هل تتخيلون مدى (...) الذي وصلوا له ؟ يقلعون أشجار أبي نؤاس التي عمرها عشرات السنين ويحرموننا من المكان الأخضر الوحيد على دجلة. لابد من التحرك لإيقاف هذا التخريب والخراب. في العالم كله يزرعون ويشجرون ونحن نقلع الموجود من أشجار شكلت ذاكرتنا ورئة بغداد. إلى متى نبقى نشاهد هذا الخراب ولا نعمل شيئاً لإيقافه.. اقترح ان تكون هناك حركة احتجاجية كبيرة يوم السبت القادم في المهرجان لإيقاف هذا المشروع الغبي". في الحال استنفر الشباب (إناثاً وذكوراً) والشيّاب، من أمثالي، الذين صدمهم الخبر، وأدلى كلٌّ بدلوه. الأبرز كان الزميل الجميل الذي يوقع باسم "شلش العراقي". وإذا قال شلش وقف العراقيون الأقحاح وتوقفوا تحية واحتراماً واحتفاءً بذي القلب المحروق على العراق وأهله.كتب شلش: "شارع أبو نؤاس ليس غيره أيها العراقيون الغيارى، أيها العراقيون النشامى، أيها العراقيون المغفلون النائمون ورجليهم بالشمس. هذه هي آخر ملامح عاصمتكم في رحمة الله. هذه هي آخر رئة مدنية وخضراء في ذمة الله بعد أن قطّعوا العاصمة وحوّلوها إلى بقع طائفية. قرروا اليوم أن يمحوا آخر اسم يذكركم ببغداد. ناموا طويلا أيها المخدرون، لقد أضحت ليالي أبي نؤاس حكايات نرويها لأطفالنا كي يناموا، وإذا سألوكم عن أبي نؤاس قولوا لهم: كان هنا، هنا تحت موقف سياراتكم الفارهة (السايبا) وأخواتها. قولوا لهم كنّا نياماً عندما نزلت معاول الخفافيش على أشجاره التي كتبنا عليها أسماء حبيباتنا. قولوا لهم حدث ذلك في زمن الإخصاء الطائفي. قولوا لهم حدث ذلك عندما خرجت الخفافيش من جحورها وعبثت في مدينة كان اسمها بغداد. قولوا لهم عاركم كله ولا تكذبوا عليهم، وقبل ذلك إذا سمحتم خذوهم في آخر رحلة وداع لإلقاء آخر نظرة على آخر شارع شكل ذاكرتنا الجمعية وهويتنا المدنية. امنحوهم فرصة السلام على جثة الشارع. دعوهم يسمعون الحكاية الأخيرة ما بعد المليون حكاية وحكاية من القهر. أرجوكم لا تتظاهروا من أجل شارع، مجرد شارع. إن الحكومة تفكر بمصلحتكم ومصلحة سياراتكم. لا تزعجوا الحكومة ولا تصدقوا شلش الكذاب عندما يقول لكم هناك مخطط لتصفية الحساب مع بغداد لأنها عباسية أسسها المنصور ونهض بها الرشيد فهؤلاء لا تحبهم إيران. لا تصدقوا شلش الكذاب لأنه لا يحب بغداد، ولم يعرف أبا نؤاس، ويكره الأعظمية ولم تتمزق أحذيته على رصيف شارع الرشيد، ولم ينفث دخان سجائره في مساءات مقاهي الكرادة، ولم يذرف دموع أحزانه في شباك باب الحوائج، ولم تهرول طفولته وراء السيارات في شارع الجوادر، ولم يتعلم السباحة في قناة الجيش. شلش كذاب وسنواته التي تطارده مثل قطط سود ليست سنواته. أبو نؤاس ارفع كأسك للمرة الأخيرة كي أخفض رأسي، فانا لست بعراقي".صديقتي .. لست أنا وإنما شلش هو الذي لم يرد أن يتمتع باستراحة المحارب!
شناشيل: أبو نواس وشلش "غير" العراقي!
نشر في: 17 سبتمبر, 2012: 08:54 م