TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة: الكتابة باسم مستعار

منطقة محررة: الكتابة باسم مستعار

نشر في: 18 سبتمبر, 2012: 06:39 م

  نجم واليالكتابة باسم مستعار ليست جديدة، عرفها الأدب العالمي على مر تاريخه. الأسباب التي تستدعي لذلك عديدة، لكن سببين يظلان هما الأكثر بروزاً أكثر من غيرهما: الإبداع والإصرار على المقاومة. لا الرغبة في السلطة ولا الطمع كانا وراء ذلك. بعض الأسماء المستعارة رافقت مخترعيها، والذين هم عادة الكّتاب أنفسهم وليسوا الناشرين أو وكلاء الأدب، طوال حياتهم.
جوزيف كونراد مثلاً، كان اسمه الأصلي جوزيب تيودور ناتيكس كورزينيوفسكي. وُلد في 3 ديسمبر 1856 لأبوين بولنديين في مدينة بيرديتشيف، التي كانت حتى عام 1793 بولندية (اليوم تعود المدينة إلى أوكرانيا)، أبوه، أبولو كورزينيوفسكي كان كاتباً مغموراً، لكنه اشتهر بترجمته لوليم شكسبير وفيكتور هوغو إلى اللغة البولندية، وهو الذي شجع ابنه مبكراً على قراءة الأدب الفرنسي والإنكليزي. عام 1878 وطأت قدما كونراد للمرة الأولى الأرض الإنكليزية، وبعد ثماني سنوات من ذلك حصل على الجنسية البريطانية، بعدها بسنتين في عام 1888، يصبح كونراد قبطاناً في البحرية البريطانية، المهنة التي سيمارسها حتى الأيام الأخيرة من حياته. تجاربه في رحلاته البحرية التي عاشها في الكونغو والجزر الماليزية شكلت الخلفية التي اعتمدت عليها أعماله. كونراد بدأ حياته الأدبية ككاتب في عام 1890 تقريباً. المهم إنه اختار بوعي الكتابة باللغة المكتسبة الجديدة: اللغة الإنكليزية التي بدأ بتعلمها مسبقاً في أوكرانيا، ليس ذلك وحسب بل اختار بوعي نشر أعماله تحت اسمه الجديد الموجود في الجواز الإنكليزي. لغة جديدة، اسم جديد. بهذا الشكل خلق كونراد لنفسه هوية جديدة وكتب روايات عديدة ما يزال أغلبها معاصراً حتى اليوم. الكاتب الفرنسي أنطوان سانت أكزوبري حوّل الطيران إلى موضوع أدبي يقترب من الشعر، كونراد فعل الشيء نفسه مع السفر عن طريق البحر.فرناندو بيسوا الذي وُلد في 13 يونيو/ حزيران 1888، في العاصمة البرتغالية لشبونة، والذي عاش منذ الحادية عشرة من عمره وحتى شبابه في مدينة دوربان في جنوب إفريقيا، كتب أعماله بشكل رئيسي تحت ثلاثة أسماء مستعارة: البرتو كائيرو، ريكاردو رايس، ألفارو دي كامبوس وإلى حد ما فرناندو سواريش. أسماء مستعارة أخرى كانت لـ: الأخوين جارلس جيمس (بيسوا تعلم الإنكليزية في جنوب إفريقيا وكانت بمثابة لغته الأم الثانية) والكسندر سيرج. بيسوا اخترع سير حياة لأسمائه المستعارة. حتى موته صدق المرء بحقيقة وجود كائناته المخترعة تلك. كانوا يحملون صفات مختلفة لدرجة أن المرء لا يستطيع أن يصنفهم بصفتهم شخصية واحدة. كونراد وبيسوا ينتميان، كل واحد في مجاله، إلى آباء الأدب العالمي المعاصر. رواية كونراد "قلب الظلام" (في الإنكليزية: 1902) لم تفقد حتى اليوم معاصرتها وصورت للسينما أكثر من مرة. كتب بيسوا: "كتاب اللا طمأنينة" أو "مصرفي فوضوي"، مثلما قصائده المكتوبة تحت أسماء أخرى، جعلته يتخول إلى شاعر البرتغال الأهم، إلى الأهم في اللغة البرتغالية، مثلما حولته إلى أحد الكتّاب الأكثر ألمعية في القرن العشرين.في أزمان الديكتاتورية، الحرب أو الاحتلال يجد بعض الكتّاب أنفسهم مضطرين للكتابة تحت اسم مستعار. لمجرد ذكر مثال واحد، لا بد من تذكر هنا رواية سجلت بعد نشرها تاريخاً خاصاً بها، المقصود طبعاً هو رواية "صمت البحر". الرواية القصيرة التي تُرجمت بسرعة إلى لغات عديدة واشتهرت عالمياً، تنتمي إلى تلك الأعمال التي كان من غير الممكن صدورها باسم مؤلفيها الحقيقيين. عام 1942 جعل الكاتب الفرنسي الذي كان يعيش في باريس جيان مارسيل برولير الرواية تُطبع في جينيف تحت الاسم المستعار فيركور ثم ليتم شحنها بعد ذلك وبصورة سرية إلى باريس المحتلة في حينه من قبل الألمان. لماذا هذا وما هي علاقتها بموضوع العمود هذا، هذا ما سأتناوله في عمود الأسبوع القادم وتحت عنوان: جريمة قتل في القطار السريع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram