TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أشجار (أبو نؤاس) وأحزان الرصافي

أشجار (أبو نؤاس) وأحزان الرصافي

نشر في: 18 سبتمبر, 2012: 06:40 م

ميسلون هادينتمنى أن تكون الأخبار التي سمعناها عن أشجار شارع أبي نؤاس أخباراً كاذبة، أو هي مجرد تهويل إعلامي لا يستند إلا إلى غصن صغير سقط سهواً من شجرة معمرة تعيش في شارع أبي نؤاس منذ عشرات السنين،أو إلى ورقة جفت وسقطت من شجرة عتيقة تمد جذورها عميقاً في شاطئ دجلة الخير..لأن هذا الخبر لو كان صحيحاً، فإن الأمر يستدعي إيقاف هذه الكارثة فوراً وقبل فوات الأوان. ليس لأن في الرأس بقية من عقل وحسب،
ولكن لأن هناك قانوناً قديماً يغرم كل من يقطع شجرة عقيمة أو مثمرة في بغداد بغرامة مالية كبيرة.. وأذكر أنه في تسعينات القرن الماضي جاءنا لمجلة ألف باء صيدلي في منطقة السعدون يشكو أمانة بغداد لأنها غرمته (ثلاثين ديناراً) بسبب قطعه شجرة عملاقة كانت مزروعة قرب باب الصيدلية.. وقتها كتبت موضوعاً أشكر فيه أمانة بغداد على فعلتها الراقية تلك، وأكبرت فيها تلك الغرامة التي ترقى بنا إلى مصاف الدول المتحضرة والمحترمة، وأبدى الجميع سعادتهم بهذا القانون الذي لم نكن نعلم به لولا  ذلك الصيدلي الذي لم يتعاطف معه أحد.والحقيقة إني لا أزال غير مصدقة لهذا الخبر الأليم، لأنه، والحق يقال، إذا ما كان هناك جهد يذكر لأمانة بغداد في الفترة الأخيرة فهو حملاتها المكثفة لتشجير أغلب شوارع بغداد، وهذا الجهد الطيب هو مما يثلج القلب حقاً وسط الخراب الذي تشهده شوارعها وأزقتها الفرعية التي تحولت إلى ما يشبه (القيصريات) بسبب عملية قصابة من نوع آخر قوامها تحويل كل بيت كبير إلى بيوت صغيرة واجهة كل واحد منها لا تتجاوز الأربعة أمتار، مما يخالف ما كان معمولاً به في القانون سابقاً بعدم جواز الفرز للبيت الذي تقل مساحته عن 200 متر . وهذه الظاهرة بدأت تتوسع بشكل مرعب في كل المناطق السكنية بسبب تفاقم أزمة السكن وغلاء الإيجارات، وبدلاً من الشروع ببناء المجمعات السكنية العملاقة لاستيعاب الحاجة المتزايدة لسكن الشباب وعوائلهم الجديدة، يتم قتل رحابة بغداد وجماليات شوارعها السكنية بترك الحبل على الغارب لمثل هذه التجاوزات التي شملت كل أحيائها السكنية بدون استثناء، بل شملت حتى الأرصفة التي تحولت إلى محال حلاقة ودكاكين وما أشبه.. ولا أدري كيف سيمكن وقف هذه التجاوزات في المستقبل بعد أن شيدت آلاف البيوت بهذه الطريقة المخالفة للقانون؟إن الأمل بأن تستعيد بغداد عافيتها (العمرانية على الأقل) سرعان ما يصطدم بمثل هذه الفوضى العارمة التي طالت أحياء جميلة كحي الحارثية الذي اقتحمت أزقته بعض الدوائر الحكومية أو المصالح الخدمية (كدائرة الهجرة والمهجرين) فحولت أجمل شوارعه إلى ما يشبه كراج العلاوي أو سوق الشورجة.. وحدّث ولا حرج عن شارع الكندي الذي فقد آخر بريق له مع زحف العيادات والصيدليات على كل ركن وزاوية فيه.. وها هي الشوارع الأربعة في حي اليرموك سائرة على الدرب نفسه دون أن يحرك أحد ساكناً حول هذه الفوضى..يحدث هذا في الأحياء التي كانت تعد أحياءً جميلة وهادئة في ما مضى، فما بالك بمناظر كئيبة وخربة في كل زاوية منسية بعيدة أو قريبة من زوايا بغداد.. إبتداءً من بوابات بغداد الرثة وانتهاءً بشارع الرشيد من بابه المعظم وحتى بابه الشرقي.. مروراً بتمثال الرصافي الجميل الذي تحيط به القاذورات والكارتونات وفوضى عربات النقل التي تجرها الحمير. وإذا كان هذا الخراب كله لا يظهر للعيون التي تنظر من الزجاج المظلل لسيارات الدفع الرباعي، فإن بغداد مازالت في خاطر عشاقها، من أرباب الثقافة والصحافة والجمال، حلماً وردياً جميلاً لن يدب له اليأس،وسيتشبثون بها أنيقة عظيمة حتى وإن قفز الكثير من سفينتها التي تجنح نحو المجهول.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram