سليمة قاسماعتدت أن أمر مرور الكرام على الصفحات المحلية في معظم صحفنا اليومية التي أطالعها صباح كل يوم، فهي تحمل في طياتها الكثير من الألم ، وتتراوح أخبارها بين تردي مفردات البطاقة التموينية وشح المياه وضعف الطاقة الكهربائية والنقص في الخدمات، فضلا عن التفجيرات والاغتيالات والقبض على العصابات وغيرها من المشاكل التي تعطي دليلا صارخا على فشل حكومي بامتياز في وضع الحلول الناجعة لمعالجتها. كونها انعكاساً لتداعيات الأزمة السياسية التي تتصدر عناوينها الصفحات الأولى.
قبل أيام وفيما كنت اقلب إحدى الصحف استوقفني خبر صغير يتحدث عن فشل تسع عمليات جراحة عيون في يوم واحد بمحافظة ذي قار. أثار ذلك الخبر فضولي فحاولت العثور على تفاصيل أكثر بين طياته، واكتشفت أن فشل تلك العمليات التي أجريت لزرع عدسات العيون في مستشفى الحبوبي في الناصرية أواخر حزيران الماضي تسبب في فقدان جميع المرضى بصرهم! ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل نتج عنه مضاعفات خطيرة، إذ تم نقل المرضى الذين فقدوا بصرهم بصورة عاجلة إلى مستشفى ابن الهيثم في بغداد، لقلع عيونهم من محاجرها خشية من انتقال الالتهابات إلى الدماغ، فضلا عن أن جميع المرضى الذين فقدوا بصرهم يعانون آلاما مبرحة وغموضا عن مدى إمكانية أداء وظائفهم الحياتية في المستقبل!رحت أبحث في محرك البحث"كوكل" على شبكة الانترنت للحصول على معلومات مفصلة عن الحادث المؤلم، فعرفت أن دائرة صحة ذي قار رفعت دعوى قضائية ضد إحدى القنوات الفضائية حين نشرت تقريرا عنه!أما الجهات صاحبة العلاقة ، وهي مجلس محافظة ذي قار ودائرة صحة ذي قار، فقد حاول كل طرف فيها تبرئة ساحته، وأخذت كعادتها تتبادل الاتهامات -شأنها شأن القوات الأمنية بعد كل حادث تفجير- وقد وصل الأمر إلى حد توجيه اتهامات إلى أطراف معينة ومحاولتها توجيه ضربة إلى سمعة الطب في المحافظة! فيما طرحت تبريرات أخرى تركزت على تسمم العدسات وتلوثها، فضلا عن قلة نظافة صالة العمليات وعدم اهتمام الأطباء بصحة مرضاهم حين يراجعون المستشفيات الحكومية. الغريب أن الحادث طواه النسيان بعد مدة قصيرة من وقوعه في خضم الاحداث المتسارعة التي يشهدها البلد، وأصبح أولئك المرضى الذين فقدوا بصرهم حالة مؤلمة نتوقف عندها قليلا لننتقل إلى أخرى أشد إيلاما مثل الانفجارات والاغتيالات وهي تعطي دليلا صارخا عن الاستخفاف بحياة المواطن وسلامته سواء من قبل الجهات الأمنية أم الصحية. وتحولت تلك المأساة إلى خبر صغير يأتي ذكره في بعض الصحف و يمر خجلا في تايتل القنوات الفضائية .أما كيف يعيش أولئك المرضى حياتهم الجديدة بعد فقدانهم البصر، فقد تجسد في محاولة احد المرضى الانتحار بسبب تردي وضعه النفسي بعد ما حدث! تذكرت حادثا مماثلا وقع في فرنسا في ثمانينات القرن الماضي، إذ أصيب خمسة مرضى بالايدز نتيجة تلوث أجهزة الفحص في عيادة طبيب أسنان، أثيرت ضجة كبيرة على خلفية الحادث وردود أفعال غاضبة ولم تنته القضية إلا باستقالة وزير الصحة الفرنسي! لا نريد أن يستقيل وزير الصحة أو أي من طاقمه الوظيفي، فحل المشكلة لا يكمن في الاستقالة، ولكننا نريد الوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وقوع مثل هذه المأساة، ومعرفة الملابسات التي رافقت إجراء العمليات التسع ونشرها في وسائل الإعلام وتعويض المرضى تعويضا يتناسب مع حجم الضرر الذي أصابهم ومحاولة تصويب أخطاء المؤسسات الصحية وإزالة ما ترتب على ذلك من آثار لعل أخطرها فقدان الثقة بالمؤسسة الصحية في محافظة ذي قار وفي البلد ككل.
!بـــين عيــون ذي قار..وإيدز فرنسا
نشر في: 18 سبتمبر, 2012: 06:40 م