TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: حجّ مبرور وسعي مشكور!

قرطاس: حجّ مبرور وسعي مشكور!

نشر في: 18 سبتمبر, 2012: 06:42 م

 أحمد عبد الحسينوقائلٍ هل تريد الحجّ؟ قلتُ له:                                      نعم إذا فنيتْ لذّاتُ بغدادِ!هذا بيت شعر للعظيم أبي نؤاس، أيام كانتْ بغداد دار لذةٍ لا تنقضي، أيام كان اسم الرفاهية بغددة، متع كثيرة كانت تمنع أبا نؤاس من الزهد المؤجل أبداً، متع حلقات الأدب والشعر ونوادي اللهو وحلقات الكلام والموسيقى والغناء "كان في بغداد آنذاك أربعمئة مطرب ومطربة، أي أن أربعمئة حفلة غنائية كانت تقام في أمّ العواصم، هذه الأرض المغبرة الكالحة التي نقيم عليها الآن".
حجّ أبو نؤاس وتاب متأخراً كما يشاع، وكتب في توبته قصائد، لكنه عاش حياته كما يشتهي بما يمنحه حقّ أن يصرخ كما صرخ شاعر معاصر هو نيرودا "أشهد أنني قد عشتُ".اليوم فنيتْ لذات بغداد كلها، لا العين تستلذ فيها بعد أن ملئتْ قذارة وصبات كونكريتية وزحمة سير بسبب مواكب المسؤولين وطريقة بناء بلهاء جلبها متنفذون حديثو النعمة الأكثر بلاهة الذين لا يعرفون من العمارة سوى تغليف "الدبل فاليوم" بـ"الالكابوند" ليصبح البناء قبحاً على قبح.ولا الأذن تلتذ بالمسموعات، ضوضاء وصفارات مواكب غبية وأصوات سياسيين لا تماثلها قبحاً وصفاقة إلا أصوات المطربين الجدد الذين يتنافسون في التفتيش عن أقبح كلام وأسخف لحن لنجاح أغانيهم. ليل بغداد ينتهي سريعاً مظلماً، النوادي الاجتماعية عرضة لغارات إيمانية كلّ يوم، شارع "أبو نؤاس" يحفر وتقتلع أشجاره وبدلاً من المحال على جانبيه سيتم إنشاء مرآب كبير.اليوم التفت الوحش المرعب إلى شارع المتنبي، جرف بالشفلات بسطات الكتب التي كنا نتباهى بها، فهي التي تصنع "أكبر شارع مخصص للكتب في العالم". ويقال أن غارات أسبوعية ستشنّ بحثاً عن كتب وأقراص تسبب الحكة لأهل العقائد الأتقياء.مقاهي المثقفين أغلقت. مؤسسات الثقافة يسيطر عليها متملقو الأحزاب الإسلامية ممن حج أو اعتمر ودمغ جبهته حديثاً ليساير الموضة العراقية الحديثة.نعرف أن حكومة هؤلاء ـ مثلها مثل عقائدهم ـ تزدهر بالجهل والتضليل والدجل، وأن الأمية سوقهم وطريقهم إلى قلوب الناس وإلى جيوبهم، ونعرف أن كراهيتهم المعرفة لا توازيها سوى كراهيتهم حبّ الحياة. ولذا فإن أبا نؤاس "الشاعر" يتساوى لديهم مع أبي نؤاس "الشارع" كلاهما حرام. وإن المتنبيّ شاعراً وشارعاً يفضح حقيقة أن الساسة الإسلاميين الذين ابتلينا بهم لا يرون في الحياة لذة سوى جمع المال ومراكمته، وألذه ما كان حراماً، مختلساً أو مسروقاً من قوت العراقيين. وكلهم، كلهم يتبارون في اللصوصية حتى بتنا لا ندري أيهم يستحق لقب علي بابا. والآن؟ إذا اندثر شارع الكتب، وانتهى كونه ملتقى أسبوعياً لمثقفي بغداد، فقد فنيت لذات بغداد حقاً، لم يبق شيء يستلذ به، نحن الذين لا نرى في المال لذة تعدل لذة قراءة كتاب أو لقاء مع زميل.فنيت لذات بغداد، فهل علينا أن نعمل بوصية جدنا أبي نؤاس، أن نذهب للحجّ، ندمغ جباهنا بدمغة الدجل ونمسك السبحة ونسبح بحمد أولي النعمة الجدد .. لنكمل هذا المشهد الذي تمسخ فيه بغداد الآن على أيدي وحوش طالعة من ظلمات بعضها فوق بعض.  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram