TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: رعشات حنين

أحاديث شفوية: رعشات حنين

نشر في: 19 سبتمبر, 2012: 09:13 م

 احمد المهنالدي صديق انهكته رعشات الحنين، وأكلته مشقات الغربة، وهو يقول ويكرر القول بأنه لن يعود الى البلاد الا اذا عاد يهود العراق. واليهود في كل التاريخ قصة. وفي اسرائيل قصة أخرى. في الأولى يبدون علامة عافية. وفي الثانية صورة المرض.
كانوا يوجدون حيث يوجد الأمل. يعيشون حيث يحيا السلام وتعمر الدول. ويرحلون ما أن يهتز الاستقرار، وتلوح نذر الخراب، أو تهب رياح الحرب. فمصلحتهم هي حيث يمكن للمصالح أن تأمن وتزدهر. وحياتهم عامرة حيث الثقة عامرة في المحيط من حولهم. انهم أقدم أقلية وأعتق خوف وأعرق ألم. ولذلك تبدو اسرائيل فاصلا طارئا على تاريخهم ونهجا معاكسا لسيرتهم. انها منعطف الشر في سيرة "جفيان الشر".وهذه السيرة الراحلة هي شرط صديقي المغترب للعودة. وهو شرط بعيد المنال. فهذا الجزء من المعمورة فقد صوابه ما أن خرج قسم كبير من يهود العالم عن صوابه واقام اسرائيل. ومن يومها تغير العرب كما تغير اليهود والعالم. ان أكبر ضعف في التاريخ تحول الى أكبر قوة في العالم. أقدم مخافة صارت أخطر حماقة. وأعرق ألم انقلب الى نشوة نجاح.وليس ثمة أمل في عودة اليهود الى العراق، ولا الى بقية الدول العربية، الا اذا عاد اليهود الى أنفسهم، أو تحولت اسرائيل الى دولة سلام. وهذا مرهون باستعادة اليهود ثقتهم برشد العالم كما كانوا يفعلون قبل الحربين العالميتين، وولادة ظاهرة هتلر ما بينهما. فأغلبيتهم كانت حذرة من فكرة اقامة الوطن القومي لأن ايمانهم بقوة الانسانية الغربية كان كبيرا. لكن الحربين وبينهما الهولوكوست قلبت الايمان الى حذر والحذر الى ايمان. فاسرائيل هي دولة الحذر أو اليأس من "إنسانية" الحضارة الغربية.ولكن دولة اليأس رهنت كينونتها بزواج كاثوليكي مع الميؤوس منه. فقد جعلت من الغرب شريان حياتها، كما اصبح النفط شريان حياة الغرب. والنفط الرخيص مرهون بتخلف العرب. وتخلف العرب ضمانة أمن اسرائيل. ولذلك "أصبح هدف السياسة الاسرائيلية الأول هو الوقوف بأي ثمن في وجه كفاح العرب في سبيل تقدمهم..والقضاء على قوة البلدان العربية قضاء مبرما" كما يقول اسحق دويتشر. وأضمن وسيلة للحفاظ على تخلف العرب هو جعلهم أسرى التاريخ، والحيلولة دون خروجهم من ردود الأفعال الى الأفعال، أو من السلبية والجمود الى الإيجابية  والمبادرة. وهذا "السجن" أو "القبر" هو ما آلت اليه أحوال العرب. وصارت كل هزيمة عربية في الواقع تبني في الفكر جذور هزيمة لاحقة. بعد 5 حزيران ارتفع شعار "كل شيء من أجل المعركة". ولم يكن هناك شيء قد "ارتفع" أو "تقدم" حتى يمكن احراز النصر في المعركة.وكل الأفكار والأعمال السائدة أخذت ومازالت تأخذ نفس وجهة "كل شيء من أجل المعركة" المدمِّرة لامكانيات"التقدم". حتى لم تعد اسرائيل تحتاج الى العمل بنفسها من أجل"الابقاء على تخلف العرب". ان العرب والمسلمين تولوا المهمة بالنيابة عنها. "الممانعة" واحدة من وسائل تحقيق هذه المهمة. "الاسلام هو الحل" وسيلة أخرى. كذلك الفساد والاستبداد. "غزوة نيويورك" كانت ذروة في صرح التخلف. الطائفية ولا أروع. واذا كف العرب والمسلمون عن ابتكار وسائل تأبيد التخلف فلابأس من ضغطة زر على تفاهة مهيِّجة لحساسية العقيدة. المهم صرف الفكر العربي والاسلامي من الواقع الى الخيال، وتحويله من النافع الذي يمكث في الأرض الى الزبد الذي يذهب جفاء.أما "رعشات حنين" صديقي المغترب فليست بلا أساس، لأنها نابعة من شدة الأشواق الى عالم عامر بالثقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram