علي حسينعندما بدأت "ديلما روسيف" تحلم بأن تصبح ربة بيت كان الحلم مستحيلا على ابنة مهاجر بلغاري التحقت بصفوف أقصى اليسار وناضلت ضد سياسة القمع التي انتهجها الحكم الاستبدادي، وعندما قررت أن تترك العمل العسكري، حلمت بأن تجلس على مقاعد السياسيين، وكان ذلك مستحيلا في بلد مثل البرازيل، وعندما اصبحت وزيرة للمالية لم تكن تعرف أن الطريق إلى رئاسة الجمهورية اصبح سالكا، وأنها ستصبح في يوم من الايام اول رئيسة جمهورية في تاريخ بلاد السامبا وبيليه، ظلت على الدوام تؤمن بما قاله ماركس ذات يوم من ان "التحرر الإنساني غير متحقق إلا عندما تتعرف المرأة على قواها الذاتية وتنظمها بوصفها قوى فاعلة ولا تعود تفصل نفسها، بالتالي، عن قوى المجتمع".
اليوم أصبح العالم مسكونا بشيء اسمه انجيلا ميركل، فلم يعد من الممكن تجاوز الازمة الاقتصادية الاوربية دون طلب مساعدة، سياسية مالية، من امرأة ذات مظهر عادي حتى لتبدو اشبه بربة بيت غارقة في البساطة، لكن الوجه الآخر لهذه السيدة البسيطة المظهر يقول انها اليوم تحمل لقب المرأة الأكثر قوة ونفوذا في العالم.وأصبحت بلدان أمريكا اللاتينية تستبدل رؤساءها العسكر بنساء أنيقات، ذهب العصر الذي كانت تشكو فيه سيمون دي بوفوار من ظلم الرجل في كتابها المثير للجدل "الجنس الآخر"، حين اطلقت عبارتها الشهيرة: "لا يولد المرء امرأة بل يصبح كذلك". هل اكتب هذه المقدمة لاقول ان المرأة في العراق حصلت على حقوقها كاملة، الواقع يقول عكس ذلك فنحن في الشكل وفي خطب القادة نبدو دولة عصرية متقدمة، النساء حصلن على نسبتهن في البرلمان، وهناك امرأة تملك مكتبا وسكرتارية أطلق عليها اسم وزارة المرأة.. فيما الواقع يقول إننا لا نعترف للمرأة بحق إلا حق الحمل وترضية رغبات سيد البيت، في الاسابيع الماضية تابعت، مثل غيري، معركة المصير الواحد التي خاضتها الكتل الكبيرة من اجل الاستحواذ على كراسي مفوضية الانتخابات.. في هذه الفقرة الكوميدية لم يتذكر قادتنا الأشاوس الدستور، والذي اشترط ان تكون المفوضية مستقلة ويتم اختيارها من اهل الاختصاص والمشهود لهم بالنزاهة، لكن لان رجال السياسة عندنا أكثر توحدا مع قناعاتهم فقرروا أن لا مكان لشخصيات مستقلة في المفوضية. لماذا؟ لأن الزعماء الكبار يريدون أن تبقى الانتخابات ونتائجها بأيديهم حصرا.. ثم اتفقت الكتل السياسية التي لا تلتقي على شيء.. اتفقت على ألا يكون للمرأة حضور في هذه الهيئة، هذه الدقة في مراعاة أصول الحشمة مردها إلى خوف هؤلاء القادة من الغواية، التي تقود إلى الفتنة، والفتنة اشد بأسا وجرما من سرقة المال العام والمحسوبية والتزوير وغياب العدالة وتأسيس دولة الطوائف.فيما اقر دستور 2005 ما اقره دستور عام 1958من حق المرأة في المشاركة العامة والتمتع بالحقوق السياسية، ولكن في كل يوم نرى أن حقوق المرأة مهدورة ليس فقط في الشارع والجامعات ودوائر الدولة، وإنما في البرلمان الذي مهمته الحفاظ على الدستور، فبعض القوى السياسية التي ترفع الدستور بوجه الجميع تدفع في الوقت نفسه بالمجتمع الى عقود من التخلف والانعزال.وأيا كان المبرر لما حصل في مشهد تشكيل مفوضية الانتخابات، الا ان ما حصل لا يخرج عن المخطط الهادف الى العمل على ان تعود المرأة لتصبح مواطنة من الدرجة الثانية. لم تكن هذه القوى السياسية تستهدف تغييب المرأة فقط، ولكن لتثبت لنا أن الصراع على المناصب يجعل الجميع ينحازون الى انفسهم. ضربت هذه القوى عصفورين بحجر واحد، الأول هو إبعاد المرأة عن مصدر القرار لانها " ناقصة عقل ودين" والثاني ان يتمتع "حبايب" قادة هذه الكتل بمزايا هذه المناصب وفوائدها على المدى الطويل وليصبح صفر المرأة صفرا جديدا يضاف الى اصفار تضعها هذه القوى السياسية، وتجسد حالة التضليل والخداع التي مورست وتمارس على قطاعات واسعة من الشعب. الجميع ضد المرأة يكرهونها ويمقتونها، وكلما تقدمت للأمام خطوة رجعت للخلف خطوتان، لأن الثقافة السائدة مفرطة في التخلف والرجعية.يكتب مؤلف سيرة رئيسة وزراء بريطانيا الحديدية مارغريت تاتشر: "اثناء مأدبة عشاء اقامها لها رئيس كوريا الجنوبية، قال لها الاخر بدعابة انه لايحب ان تتولى النساء الحكم لان لهن نقاط ضعف كثيرة.. فنظرت اليه وهي تقضم قطعة خبز لتقول: ان الديك يصرخ طوال الوقت.. لكن الدجاجة هي التي تبيض في النهاية ".
العمود الثامن: بروفة إحراق "النساء" فـي البرلمان
نشر في: 19 سبتمبر, 2012: 09:19 م