نصيف جاسم حسينأزمة الكهرباء ليست موضوعا تقنياً أو مالياً بحتاً بل هو موضوع سياسي خاضع للعمل السياسي وللقرار السياسي لأطراف عراقية وغير عراقية لها مصلحة باستمرار الوضع على ما هو عليه، بالإضافة -طبعا- إلى الفساد الذي ليس لرئيس الوزراء ولا هيئة النزاهة القدرة على محاربته لأنهما بعيدان عن وسائله وطرائق عمله خصوصا في موضوع الكهرباء، وسآتي على هذا الموضوع لاحقا.
فقد تركز عمل سلطة الائتلاف الموقتة وبول بريمر في هذا الموضوع على تجديد شبكات التوزيع –لم يكن أغلبها بحاجة إلى تجديد- ونصب محطات التحويل عالية الفولتية والثانوية لكهرباء "غير موجودة أصلا"، واستمر هذا النهج للحكومات التي أعقبت سلطة الائتلاف جميعها ابتداءً من حكومة إياد علاوي وانتهاءً بحكومة المالكي الحالية مروراً بحكومة الجعفري والمالكي الأولى، بل أضيفت إلى تلك المشاريع مشاريع إنارة الشوارع بالطاقة الشمسية- لم يعد أغلبها يعمل الآن- ومشروع العشرة أمبيرات- لم يعمل منذ اليوم الأول فقد عمد الأهالي إلى الربط المباشر على القابلوات بعد رحيل العمال مباشرة- ومشاريع نصب أبراج الضغط العالي "لكهرباء غير موجودة" ، ومشروع البواخر التركية –لم يعمل لحد الآن- الذي كلف الدولة العراقية كلفة "تأجير" البواخر بالإضافة إلى كلفة المحطات التي تحملها والتي اتضح –لاحقا-أنها لا تناسب الشبكة الكهربائية العراقية ، وكل ذلك يؤشر وجود فساد عراقي- دولي، ورغبة لأطراف عراقية ودولية بعدم حل هذا الموضوع وعدم فهم المسؤول العراقي للموضوع أصلاً.مما سبق يمكن الافتراض –بلا تردد- أن ثمة مساعي محلية وإقليمية ودولية لا تريد لهذا الموضوع حلا، ولكل من هذه الأطراف مبرراته الخاصة التي –ربما- لا تتفق تماما مع مبررات الأطراف الأخرى لكنها تصب جميعا في تعطيل أية إمكانية لإصلاح هذا القطاع الحيوي للعراق ولحياة العراقيين.يمكن إجمال تبريرات الأطراف المحلية بالفساد أولاً(بيع وقود المحطات –مثلا- وخاصة زيت الكاز خارج المحطات ،والتركيز على المشاريع سهلة التنفيذ التي تحال عادة إلى حاشية بعض المتنفذين في الوزارة) ،وتأتي العوامل السياسية في المقام الثاني حيث تسعى بعض الأطراف لإفشال مساعي الحكومة –إن وجدت- في هذا المجال سعيا لإفشال الحكومة دون اكتراث لما يعنيه ذلك من مشاكل للناس وللبلد، بالإضافة إلى عدم تبويب الموازنات العراقية حسب أولويات احتياجات الناس، فمثلا تذهب أموال طائلة للوقفين السني والشيعي لبناء جوامع وحسينيات فيما "عباد الله" يكويهم الحر صيفا ويلسعهم البرد شتاء، وتذهب أموال طائلة لوزارة الشباب والرياضة لبناء ملاعب مختلفة الأحجام والأنواع فيما الرياضيون لا ينعمون بحياة طبيعية مثل أقرانهم من البلدان الأخرى بسبب الكهرباء أيضا.أما مبررات الأطراف الإقليمية فهي مستفيدة بصورة مباشرة من أزمتنا في هذا القطاع وتصدّر كل دول الجوار إلينا- ربما على الورق فقط- كميات من الطاقة عبر أبراج الضغط العالي التي شيدت لهذا الغرض بكلفة كبيرة جدا وكأن أزمة الكهرباء باقية إلى أبد الآبدين. بالإضافة طبعا إلى المبررات السياسية التي تهدف إلى ربط البلد –اقتصاديا وفنيا- بهذه الدول عبر استثمار مشاكله ومنها مشكلة الكهرباء.أما المساعي الدولية فهي كثيرة وتقع في مقدمتها مساعي الشركات الكبرى التي ما انفكت توحي للمسؤولين العراقيين بعدم إمكانية حل هذا الموضوع إلا عبر"خصخصة" قطاع الكهرباء أملا في الاستيلاء على أهم مرتكزات البنية التحتية العراقية التي لا يضاهيها أي استثمار في أي قطاع آخر بما في ذلك قطاع النفط.ولا أعتقد أن البلد سيستفيذ كثيرا من فكرة"خصخصة هذا القطاع" فما سيحدث هو "بيع أملاك الدولة" تحت غطاء الخصخصة كما حدث في محطة القدس الحرارية التي دخلت الخدمة "مرتين" زمن الوزير السايق كريم وحيد التي بيعت إلى شركة "هينداي" بمبلغ لا يساوي مجرد كلفة الأرض التي تشملها المحطة!! ولا أعتقد أن مشكلة الكهرباء ستحل نهاية سنة 2013 كما صرح السيد حسين الشهرستاني لعدم وجود إرادة حقيقية لمعالجة هذا الموضوع.
شيء مما يمكن قوله عن الكهرباء
نشر في: 21 سبتمبر, 2012: 06:23 م