يوسف أبو الفوزقبل رمضان بأيام لبينا دعوة كريمة من أحد الأصدقاء لبيته ، كنا مجموعة متوادة من العراقيين ، مختلفين الأهواء والميول ، لكن يجمعنا حب العراق الديمقراطي ، وكعادة العراقيين ، حضرت السياسة مكملة لأطباق الطعام، وإذ كانت الأحاديث تجري في أجواء ودية ، حول الأوضاع السياسية في البلاد، وإذ ألمحت إلى تجنب أحد الإخوة الحاضرين الإشارة في أحاديثه إلى بعض زعماء كتل الإسلام السياسي رغم كل ما يقال عنهم ،
فاجأني وهو يصرخ بي مستفزاً : " أتحداك إذا كتبت يوما تنتقد القيادات الكردية !" طريقته في الكلام وانفعاله ، دفعاني للسكوت، فلست أحب الصراخ في النقاش، وعندما هدأت الأمورـ وشبعت البطون ـ نبهته بمودة إلى أسلوبه ، ولكني مع نفسي بقيت أتساءل : هل حقا لا يمكن لي انتقاد القيادات الكردية الحالية في ما لو تطلب الأمر ؟!مؤخراً ، كان لي شرف المشاركة إلى جانب 115 شخصية عربية وعراقية ، من الدول العربية ومن القاطنين في أوروبا واستراليا والولايات المتحدة وكندا ، وذلك في المؤتمر الأول لحركة " التجمع العربي لنصرة القضية الكردية"، الذي انعقد في الفترة 5 ـ 6 / 5 / 2012 في أربيل . في الحافلة التي أقلتنا من الفندق إلى قاعة افتتاح المؤتمر، كان جليسي أحد الشخصيات الوطنية الديمقراطية العراقية ، ممن أستوزر بعد الإطاحة بديكتاتورية البعث ومن المساهمين في العملية السياسية بأشكال مختلفة ، فسألته : " ونحن نعيش أجواء التطاحن بين الكتل المتنفذة ، ودخول قيادات إقليم كردستان بقوة في التصعيد السياسي ، ألا توجد مخاوف لأن يسيّس مؤتمرنا هذا؟!" وكان الجواب واضحا ومتوافقا مع ما أفكر به ، إذ قال : " لقد تسيّس المؤتمر حتى قبل انعقاده !" ، وإذ انطلقت الحملة الشعواء لمهاجمة المؤتمر والمساهمين به ، من قبل أقلام وعّاظ السلاطين ، وجدت كم هي رخيصة تلك الأقلام التي تتجاهل حقائق أن التحضيرات لهذا المؤتمر بالذات قد بدأت قبل عام من انعقاده ، وقبل التوترات الحاصلة في الساحة السياسية ، فلا يوجد في أجندة المؤتمر تحيز مسبق للتضامن مع طرف ضد آخر ، وأن المؤتمر هو للتضامن مع شعب وليس مع حكومة وقيادات ، إلا أن الأصوات النشاز لم تتوقف عن التعريض بالمؤتمر والمشاركين به. رغم ذلك ربما صحيح بعض ما قيل بأن الإعلام الرسمي في إقليم كردستان بنفسه ساهم في تسييس المؤتمر من خلال أسلوب التغطية مما جلب عليه نقمة البعض ، لكن على كل حال فقد فات الكثيرين ، وربما منهم صاحبي الذي صرخ بوجهي، أن الوقوف إلى جانب شعب وحقه في تقرير مصيره لا يعني دعم ومساندة حكّامه !منذ بداية تفتح الوعي السياسي عند أبناء جيلي (شخصيا من مواليد 1956) تعلمنا من خلال انخراطنا ومساهماتنا في نشاطات المنظمات الديمقراطية (الاتحاد العام لطلبة العراق واتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي) ونشاطات اليسار العراقي ، بأن للشعوب حقا مشروعا في تقرير مصيرها ، وأن هذا الحق يأخذ أشكالا عديدة متدرجة ، وكان شعبنا الكردي ، وفي العراق تحديدا ، مثالا حيا أمامنا . وحين التحقت شخصيا بفصائل الكفاح المسلح (الأعوام 1982 ـ 1988 ) ضمن التشكيلات المسلحة للحزب الشيوعي العراقي المناضلة لإسقاط نظام صدام حسين الديكتاتوري ، كان واضحا لي ولأبناء جيلي أن الحركة المسلحة قد لا تتمكن من إسقاط نظام فاشيّ شوفيني مثل نظام المجرم صدام حسين ، ينال دعما إقليميا ودوليا لتنفيذ مخططات جعلته يكون الذراع الضاربة في المنطقة ، لكن نضالات المقاتلين الأنصار قد تساهم في خلق وعي شعبي يزحزح قناعات الناس بهذا النظام وإمكاناته . وطيلة سنوات النضال المسلح ، المعقد والصعب ، وضمن الشعارات التي رفعها المقاتلون الأنصار كان شعار " الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان العراق " مدركين عمق الترابط الجدلي بين تحقيق الديمقراطية ونيل الشعب الكردي حقوقه . وهناك ، بين صخور جبال كردستان ، وإذ استشهد العشرات من أصدقائي ورفاقي ـ وساهمت بدفن بعضهم بيدي ـ من أجل الحلم بعراق ديمقراطي جديد تعلمت أشياء كثيرة من الفلاح الكردي الصبور المكافح لقسوة الحياة والطبيعة وقسوة نظام شوفيني لا يرحم ، وزاد ذلك من ارتباطي بهذا الشعب وتقديري تضحياته . وحين زارني الأستاذ والصديق الكاتب فلك الدين كاكائي إلى بيتي ، في محل إقامتي في فنلندا ، في أيلول 2008 ، وكان حينها وزيرا لثقافة إقليم كردستان وعضوا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، وتم الاتفاق على إقامة "الأسبوع الثقافي الفنلندي في أربيل" ، الذي كان لي شرف اقتراحه والمساهمة في تنفيذه في أيار 2009 من خلال نشاطي في المنظمات الثقافية الفنلندية ، أخبرت الصديق الوزير :" سأبذل جهدي لإنجاز هذا المشروع وفاءً للفلاح الكردي الذي كان يقاسمني رغيف الخبز ويأتمنني على بيته وعائلته ". وإذ يمازحني البعض من المعارف ، لأسباب مختلفة ، بأني " مستكرد " ويلمح إلى أن الداوفع لمواقفي الدائمة إلى جانب الشعب الكردي سببها ارتباطي بمواطنة كردية ، فإنه ينسى ـ أو يتناسى ـ أني قابلت شريكة حياتي بعد نهاية حركة الكفاح المسلح ، حيث خلالها، ومعي الآلاف من خيرة أبناء الشعب العراقي ، ومن مختلف القوميات ، كنا مشاريع جاهزة للشهادة من أجل الدفاع عن القرى الكردية والقضية الك
هـــل حقـاً لا يمكن لنا انتقاد القيادات الكردية؟!
نشر في: 21 سبتمبر, 2012: 06:25 م