اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > ثنائية الصرخة الطارئة والألم المتأصِّل في لوحات يوسف الناصر

ثنائية الصرخة الطارئة والألم المتأصِّل في لوحات يوسف الناصر

نشر في: 21 سبتمبر, 2012: 06:38 م

لندن / عدنان حسين أحمدنظّم المركز الثقافي العراقي بلندن معرضاً تشكيلياً للفنان يوسف الناصر ضمَّ تسع لوحات متفاوتة الأحجام من سلسلته الفنية المعروفة "مطر أسود" التي يشتغل عليها مذ سقطت أول قطرة دم عراقية في الحرب الكونية الأخيرة
 التي شُنّت على العراق بحجة إسقاط الدكتاتورية  والإتيان بنظام ديمقراطي جديد. قد يكون الفنان يوسف الناصر معنياً بهذا الأمر بشكلٍ أو بآخر، لكن قلقه الأكبر كان ينصبّ على كميّة الدماء البريئة التي سوف تسيل على أرض العراق الممهورة بالمِحن والفجائع والأحزان المتواصلة.لا يقترن عمل الفنان المبدع يوسف الناصر بالقشور، والموضوعات الآنية العابرة التي لا تستجيب لأسئلته الفنية والفكرية والجمالية، وإنما يبحث في الأعماق البعيدة عن السطح الخارجي لأية كارثة مفزعة تستهدف مصائر البشر في بلاد ما بين النهرين أو ما بين النارين مجازا.ربما لا يتبادر إلى ذهن المتلّقي وهو في طريقه إلى الصالة الأنيقة التي أفردها المركز الثقافي العراقي كقاعة عرض متخصصة أن يشاهد لوحاتٍ فنيةً تزدان بألوان الطيف الشمسي، ذلك لأنّ عنوان المعرض ومفتاحه الأساسي الذي نلج بواسطته فضاء اللوحات التسع هو "مطر أسود" قد يهطل بغزارة وينقّع الحاضرين بحزنه الأسود الكثيف. وعلى الرغم من هيمنة اللون الأسود بدرجاته المتعددة المعروفة، إلاّ أنَّ الفنان الناصر يتوفر على حسّاسية لونية عالية هي التي دفعته لاستثمار تقنية التضاد اللوني، الأسود والأبيض تحديداً، وتوظيفه بطريقة ذكية لا تصادر الموضوعات الجانبية التي كانت تكتظ بها لوحاته التسع التي كانت أقرب إلى المزامير الحزينة التي تروي محنة الألم العراقي الجمعي.لا يكتفي يوسف الناصر أن تكون لوحته مُصمَّمة تصميماً رصيناً على السطح التصويري الكبير غالباً، فهو يعرف أن حرباً كونية بحجم الحرب التي شُنَّت على العراق قد تحتاج من دون شك إلى فضاءات بانورامية لتستوعب سلسلة النكبات الطويلة التي تهزّ العراقيين من الأعماق وتوصلهم إلى درجة الهلع و تضطرهم، في كثير من الأحيان، للوقوف على الحافة الحادّة التي تفصل بين العقل وانهياراته الجنونية.لقد أراد الناصر أن يتجاوز الصرخة إلى صداها المستديم، وأن يمسك بالألم الممض الذي يسحق أعصاب العراقيين ويدمِّر أرواحهم منذ أزمان سحيقة، فلا غرابة أن يطغى السواد كمهيمنة لونية إذاً وعذره في ذلك أن المحنة العراقية ماتزال مستمرة، وأنّ الدم العراقي لم ينقطع نزيفه بعد. إنّ منْ يدقق في عناوين لوحات الناصر التسع سيجد أنها موزَّعة بين ثلاثة توصيفات وهي "وجوه"، " ضفيرة" و "بلا عنوان"، وهذه العناوين ثلاثتها لا تخرج عن إطار الكائن البشري العراقي توصيفاً وهموماً، فالتجرّد من العنوان ليس تنصّلاً من تسميته أو دمْغِه بدلالة ما، وإنما هو دعوة  إلى المتلقي للولوج في "فضاء الحَيرة" الذي أربك الفنان نفسه، وحرّضه على غواية المتلقي بوصفه مستقبلاً لهذه الرسالة البصرية للمشاركة الوجدانية العميقة في حيرة العراقيين أمام الأسباب الكامنة وراء هذه المِحن المتلاحقة الثقيلة التي نتوارثها كابراً عن كابر.يمكن القول بأنّ شخوص هذه اللوحات أو "فيكراته" الأساسية هي شخوص عراقية بامتياز، لكن هذه الخصوصية ليست حصراً على العراقيين تحديداً، وإنما يمكن زحزحتها إلى أي إنسان معذّب على سطح الكرة الأرضية، فالفجائع الكونية وإن تنوّعت يبقى جوهرها واحداً، ويمكن ترحيلها بالنتيجة إلى أي شعب مفجوع ومُمتحَن نتيجة لهذا السبب أو ذاك. وحينما ندقّق في التفاصيل الكولاجية، المُصمَّمة بعناية كما أسلفت، نجد تشظيات هذه الحرب، أو ربما الحروب المتلاحقة التي مرّت على العراق، في معظم لوحات يوسف الناصر، إذ نرى نصف طائرة توشك أن تسقط من حافة اللوحة، أو سيلاً من القنابل التي تحوّلت في لفتة فنتازية إلى مجموعة من الأسماك المثيرة التي تؤثث فضاء اللوحة، وتخلق فيها جواً حميماً من الألفة والحنو الذي يخفِّف من وطأة المناخ الحربي الذي تسلّل من ذاكرة يوسف الناصر بطريقة واعية ومدروسة حتى وإن جاء بعضها على شكل انثيالات أو استدعاءات حرّة شكّلت في خاتمة المطاف هذا الخطاب البصَري التعبري الذي يمكن أن نجده لدى العديد من رموز وأقطاب المدرسة التعبيرية الألمانية مع فارق الموضوعات واللمسات الإبداعية التي تتعلق بخصوصية يوسف الناصر وتجربته الفنية المتفردة حقاً.وفي خضم هذه المناخات السوداء تظهر الأجساد النسوية البضّة بأوضاع مثيرة جداً لم تنفع "الماسْكات" في سترها أو حجب مواطن اللذّة والإثارة فيها. لابد من الإشارة إلى تقنية يوسف الناصر في ضربات الفرشاة السريعة المُتقَنة التي تمنح بنية اللوحة عمقاً جمالياً مُضافاً يعزِّز التضاد اللوني من جهة، ويؤازر عملية التوازن بين فيكرات اللوحة ومكوِّناتها الداخلية، حتى وإن كانت هذه المكوِّنات هي بقع لونية صغيرة موزَّعة هنا وهناك على سطوحه التصويرية الكبيرة منها أو الصغيرة على حد سواء.لا يمكن القول، من وجهة نظري المتواضعة، أن لوحات يوسف الناصر الناصر انفعالية، آنية، سريعة، وهذه

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram