TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: "اللوادن" وأبو نؤاس

أحاديث شفوية: "اللوادن" وأبو نؤاس

نشر في: 22 سبتمبر, 2012: 09:40 م

 احمد المهنادائما ما يكون العراق في خطر كلما تعرض شارع أبو نؤاس الى خطر. والخطر الذي يمكن أن يهدد ابو نؤاس هو كل ما يمس شيئا فيه من اسمه ورسمه الى شغله وأهله. فهو ليس أي شارع، وانما أبرز علامات "زمن الخير"، ورمز اشواق العراق الى السعادة والصدق والأناقة. وهو بالإضافة الى كل هذه الفضائل ماركة وطنية متفردة، بوصفه "أطول شارع مسرات في العالم"، كما وصفته مرارا وتكرارا.
وأما كونه اختص بالمسرات فلأن "أشغاله"، الممتدة على طول كيلومتراته الثلاثة، اقتصرت على الفنادق والحدائق والمقاهي والمطاعم والبارات وما أشبه من متعلقات الراحة. وكل ذلك على شاطىء واحد من أكبر انهار الدنيا. انه "شارع اللذة". كما كان الرجل الذي سمي باسمه "شاعر اللذة". افتتح عام 1934، امتدادا لشارع الرشيد الذي كان جامعا لتنوع البلاد وزهوها. وليس ادل من تعبيره عن "زمن الخير"من كلمات المؤرخ العتيد عبد الرزاق الحسني في وصفه:"تراه يعج في الأماسي والأصباح بالغيد الحسان والشبان الأماليد، وترى المقاهي والمتنزهات والمصطبات المكتظة بروادها وقد توسطت الحدائق الزاهية. وكلها تطل على دجلة حيث ينساب بأمواجه المتراقصة، وقد طافت فوقه القوارب والطيور المائية وانعكست عليه ظلال الأشجار المورقة، فيخال للإنسان كأنه يعيش حياة ألف ليلة بسحرها ولذائذها ومجونها".ومع الحرب العراقية الايرانية، فاتحة عصر التعاسة، رأى رجل، جمع ثقل الدم من أطرافه، وجوب تغيير اسم الشارع بعدما "اكتشف" ان أبا نؤاس "شعوبي". واستبدله باسم "شارع العباسيين". كان ذلك هو "الحاج" خير الله طلفاح. وراح الى الدار التي لا يستأهل غيرها، كما راحت تسميته البديلة الى دار حقها، وبقي ابو نؤاس، وسيبقى وما يبدل تبديلا.وكانت محاولة لتعرية الشارع من اسم السعادة، كما كانت الحرب اكساء للبلاد بأثواب التعاسة. وقد أضاف صدام النفاق الى التعاسة، عندما شن "الحملة الايمانية"، ومنع "المشروبات الروحية"عن الشارع، وعطَّل البارات، جاعلا من الشرب سرا بعدما كان جهرا. ففقد "أبو نؤاس" شيئا من أهم أشياء قوامه الروحي، وذلك هو الصدق. فقد أحل صدام النفاق محله، وتابعه في ذلك خلفاؤه، وهم لا يفرقون عن معظم أسلافهم البعيدين الذين أحدثوا الفتق العظيم في عقل الأمة، عندما أزاحوا عنه الصدق وأخلوا مكانه للنفاق. فغالبية خلفاء بني عباس كانوا سادة الدين نهارا وفرسان الخمر ليلا. والنفاق مذهب كل الحكومات الدينية أو التي تحكم باسم الدين. وكان أبو نؤاس حربا شعواء متفردة على ذلك النفاق. كان"عَلَم الصدق" في الحضارة العربية الاسلامية:فبحْ باسم من أهوى ودعني من الكنى   فلا خير في اللذات من دونها سترُوكان الشارع، قبل الدكتاتورية والحصار والديمقراطية الفتية، مَلِكا في الأناقة كما كان الشاعر. واللذة عند أبي نؤاس مشروطة بالابتعاد عن رذائل البهذلة، وهي بنظره احدى عشرة رذيلة، كما استخلصها ناقد من شعره، بينها السفاهة والنجس والسفالة والخصام والعربدة واللؤم.ترى من اطلق اسم شاعر اللذة والصراحة والأناقة على هذا الشارع؟ وهل اختاره عن وعي بما ينقص البلاد؟ ولماذا تفردت به "أرض السواد"؟ والى متى سيبقى عنوان معركة؟ وأليست هي "أم المعارك" بين التعاسة والسعادة؟ بين عقيدة "اللوادن" في انزال الأذى وعقيدة أبي نؤاس في "مجانبة الأذى":صفو التعاشر في مجانبة الأذى   وعلى اللبيب تخير الجلساء

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram