علي حسيناستيقظنا بالأمس على خبر يقول إن الحكومة ومعها مقربيها تعاني من حالة انزعاج، وتعيش حالة استنفار قصوى، والسبب لأن جهات غير رسمية أمريكية تدس انفها في الشأن العراقي، وتراقب حركة الطيران السياحي بيننا وبين دمشق، حسب ما جاء في الخبر الذي نشرته معظم وكالات الأنباء وجاء فيه:
"أكد رئيس الحكومة نوري المالكي، خلال اتصال هاتفي مع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عدم ارتياح العراق لقيام بعض الأوساط الأمريكية غير الرسمية بإثارة الشبهات حول موقفه من الأزمة السورية، على الرغم من موقفه الحازم برفض اي نشاط تسليحي أو عنفي عبر الأراضي او الأجواء العراقية". إذن نحن أمام جهات غير رسمية تريد ان تنال من مكانة العراق، وهذا جزء من المخطط "الاستعماري الماسوني" وهي التسمية التي اخترعها النائب محمد الصيهود لجهات أجنبية يقول البعض إنها تريد النيل من العملية السياسية والقيام بانقلاب عسكري، فالجميع اليوم يتحدث عن المؤامرة الكونية.. نراهم على شاشات الفضائيات يرعدون ويزبدون ويرددون جملا كأنها يقين مطلق.. هؤلاء هم أبطال فيلم "المؤامرة" الذي لا تزال الحكومة تواصل عرضه بنجاح.. اضحك عندما أراهم يستعرضون عضلاتهم على شاشات الفضائيات، مقدمين أنفسهم في طبعة جديدة ومنقحة باعتبارهم الأبطال المقاومين لمخططات أمريكا، يريدون من الناس أن تصدقهم حين يقسمون بأغلظ الأيمان أن الحكومة لن ترضخ لأمريكا، وانها صاحبة قرار مستقل.. ما الذي يجعلنا نصدقهم، وهم يشتمون امريكا في وسائل الاعلام نهاراً، لكنهم يقفون مثل الحجاب أمام باب السفير الأمريكي عند منتصف الليل.. شخصيا أتمنى أن يصدق هؤلاء المسؤولون في تصريحاتهم، لكن المشكلة أن المالكي ومعه بعض المسؤولين لا يزالون مصرين على استخدام خطابين، الأول للتصدير إلى الخارج، والثاني للاستهلاك المحلي، ما يضيف إلى الوضع السياسي عندنا مزيدا من العتمة والغموض. الكوميديا في الخبر الذي نشر أن الجهات غير الرسمية التي يشكو منها السيد المالكي، هو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري الذي اتهم العراق بتسهيل تدفق الأسلحة الإيرانية على سوريا.. السيد رئيس الوزراء توهم أن جون كيري لا يختلف كثيرا عن حيدر الملا او عالية نصيف، وربما اخبره النائب عباس البياتي ان مجلس الشيوخ الامريكي لا يفرق بشيء عن مجلس النواب العراقي، ان لم يكن اقل منه مكانة، بسبب ان مجلسنا الموقر يضم شخصيات لا يمكن ان تكررها عجلة التاريخ ثانية.. للأسف لا تزال النكتة نفسها التي أضحكت منا العالم في كل مرة تتصدر الساحة في مواقفنا من القضايا الخارجية، لتكون النتيجة غيابا كاملا للوعي السياسي، حين تحول العديد من مسؤولينا إلى مجرد ناطقين يطلقون يوميا بيانات مرتبكة حيال الموقف من معظم الأحداث التي تدور حولنا، فقبل اشهر ظل ائتلاف دولة القانون يحذر من الفوضى التي ستصيب المنطقة لو أن المحتجين استطاعوا تغيير النظام السوري وتنفيذ مخططاتهم في إلغاء دولة الحزب الواحد، إلا أن الموقف تغير في لحظات وأصبحنا مناصرين لحق الشعوب في الثورة ضد الحاكم الجلاد، وبعيدا عن الأنباء التي نشرتها بعض وسائل الإعلام من أن السيد المالكي أصر على موقفه من الاحداث في سوريا، وان بايدن تلقى تحذيرا من القيادة العراقية بأن يكف جون كيري عن دس انفه في الشأن العراقي، إلا ان التسريبات الحقيقية تقول ان بايدن هو من حذر العراق من التمادي في مساعدة نظام بشار الاسد، ونقلت لنا صحف أجنبية قبل اشهر كيف ان اوباما قال انه لا يفهم لماذا لا يريد المالكي الضغط على الأسد، وهو زعيم دكتاتوري ربما لا يقل ديكتاتورية عن صدام الذي كان من أهم الذين قاسوا في عهده المالكي نفسه؟ موقف المالكي يضعه للأسف في منطقة رمادية ليس لها تضاريس واضحة، وأزعم أن التناقض في التصريحات احيانا يزيد من المسألة تعقيدا، والعجيب اننا حتى هذه اللحظة لم نسمع عن صوت رشيد في الحكومة يقول لبعض سياسيينا انه لا يجوز اخلاقيا ان يتم التعامل مع الملف السوري، او اي ملف يتعلق بالديمقراطية والاصلاح السياسي بمثل هذه الطريقة، وان يسأل احد لماذا نضع كل إمكانياتنا السياسية لانقاذ نظام بشار الاسد؟، ونتراخى في تأمين مصالحة بين الفرقاء السياسيين في العراق. أخيرا.. قد ينفع الاستعراض في مسائل تتعلق بمرشدي الحج الذين طار اليهم المالكي تاركاً وراءه ازمات البلد، أو في مسائل تتعلق بالخدمات، لكنه بالتأكيد في لعبة السياسة الخارجية سيقودنا إلى الهاوية.
العمود الثامن: كوميديا الرحلات السياحية بين بغداد ودمشق
نشر في: 22 سبتمبر, 2012: 09:41 م