TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كتابة على الحيطان: "هرّ" السويد وحرامية بغداد!

كتابة على الحيطان: "هرّ" السويد وحرامية بغداد!

نشر في: 23 سبتمبر, 2012: 06:52 م

 عامر القيسيتناقلت وكالات الأنباء خبراً طريفاً من السويد، لكنه يثير أشجاننا وأحزاننا وحسرتنا معا لما وصلنا إليه، والأصح ما أوصلتنا إليه قيادات البلاد: يقول الخبر أن سويديا قدم شكوى لدائرة الشرطة عن سرقة طعام يتعرض لها داره باستمرار، وتعاملت الشرطة السويدية بكل جدّية مع الموضوع
 وبعد تحريات وقيل وقال اكتشفت الشرطة أن السارق هو هرّ الجيران، فاقتادوا الجار إلى مركز الشرطة واخذوا منه تعهدا على الهر بعد القيام بفعلته الشنيعة، والمواد المسروقة. أيها السادة عبارة عن قطعة لحم صغيرة وبعض البسكويت وبقايا حليب على طاولة المطبخ!هذه هي الحادثة الطريفة في السويد والمثيرة لأحزاننا في العراق. من دلالات الخبر أن السويديين يحترمون القانون إلى  حدود لا نتصورها، فقد التجأ المسروق إلى الشرطة لثقته بهم فيما خضع مرجع السارق إلى إجراءات الشرطة دون ضجيج واعتراضات، ولأنه مرجعية الهرّ السارق فقد قدم تعهده أمام الشرطة بان لا يفعل هرّه فعلته الشنيعة والمخزية مرّة أخرى والى الأبد!! والأكثر طرافة أن الحادثة أخذت طريقها الى وسائل الإعلام المختلفة من باب الشفافية وتثقيف المواطنين بأن هررهم وحيواناتهم الأليفة، وهم مهووسون بتربيتها، لن تكون بمنأى عن يد العدالة وان كانت مخالفاتها على مستوى وجبة صغيرة شهية لحيوان لم يأخذ دروسا تربوية في رفض المجتمع لأي نوع من أنواع السرقة ولا يميز بين الحلال والحرام!نوع من طوباوية تلك المجتمعات قياسا لأعمال النهب العام الجارية في البلاد، ليس على يد هررة المطابخ السويدية والعراقية معا التي تكتفي بالقليل، وإنما على يد حيتان الحرامية عندنا الذين لا يستطيع أي قانون أن يمنعهم من غرف الملايين وليس بإمكان المواطن البسيط أن يذهب إلى أي دائرة شرطة ليشكي مسؤولا، وان لم يكن بمستوى نائب في البرلمان أو وزير في الحكومة، عن سرقة المال العام الذي له فيه حصة قانونية، لان مثل هذا المهبول سيكون عرضة لسخرية الشرطة أنفسهم وربما يتفتق ذهن أحدهم لإحالته الى مشفى للأمراض العقلية!ولا في الخيال العلمي لدينا أمنيات للوصول إلى هذا المستوى المتحضر من السلوك الاجتماعي، لكننا نضع هذا النموذج أمام حرامية بغداد والعراق، أمام مختطفي مستقبل  البلاد، حتى المرجعيات الدينية أكدت في خطب الجمعة الفائتة أن البلاد لن تقوم لها قائمة بوجود هذه المستويات القياسية من الفساد المالي والإداري التي تنخر جسد مؤسسات الدولة والمجتمع معا، وهي في تصاعد بسبب حماية المتنفذين من الأحزاب الدينية للسرّاق والحرامية.. هل هذا اتهام من عندياتنا؟.. تفضلوا واقرأوا تصريح مقرر لجنة النزاهة البرلمانية في مجلس نوابنا الموقر. يقول خالد عوني "نتعرض إلى ضغوط سياسية من قبل متنفذين في الحكومة (من هم المتنفذين؟)على عمل لجنة النزاهة".. وأضاف "كل ملف يفتح ضد وزير ومسؤول تقوم الكتلة أو الحزب الذي ينتمي إليه بالضغط على أعضاء اللجنة وموظفي هيئة النزاهة من خلال تهديدات عن طريق الموبايل، تمنعنا من الكشف عنها "، فيما قال عضو اللجنة نفسها عزيز العكيلي: "أن نسبة الفساد في وزارات ومؤسسات الدولة في تزايد ولا يمكننا الحد من هذه الظاهرة بوجود شخصيات متنفذة داخل مؤسسات الدولة"!!لم نتجن على أحد لأننا نأتي بالاعترافات من داخل الجسد البرلماني "الممثل" للشعب على ما يفترض ذلك.. وعلى وجه المقارنة غير العادلة بين هرّ السويد وحرامية المتنفذين في البلاد، ليس أمامنا إلا أن نوجه رسالة هذا المثال وهذه الاعترافات الصريحة والواقعية الى رؤساء الكتل المتنفذة أنفسهم، عسى ولعل أن تجد لها آذانا صاغية، إن كان لديهم بعض الوقت لمتابعة السرّاق من أعضاء كتلهم ومن يحميهم، على الأقل من مبدأ الحرام والحلال إن لم يكن من مبدأ القيم الأخلاقية الاجتماعية التي ترفض السرقة سواء أتت من هرّ سويدي أو غول عراقي متنفذ!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram