TOP

جريدة المدى > عام > الكتّاب وعالم اللهو الرقمي..كارول ولكنسن، تليغراف

الكتّاب وعالم اللهو الرقمي..كارول ولكنسن، تليغراف

نشر في: 16 أكتوبر, 2012: 06:08 م

ترجمة: مرتضى كزار
بينما هي تغرق في عبارات الغلاف الخلفي لروايتها الجديدة : «أن دبليو»، وتنشغل في عالم الأصدقاء والمحررين والناشرين، زادي سميث؛ تدبج ألفاظ الشكر والامتنان للحرية والتفرغ ومسك لجام النفس، فهذه هي أسماء الأشياء التي تنتج «الوقت»، أو تجعله منتجًا. فكل كاتبٍ يحتاج إلى التفرغ أو التحرر، وإلى السيطرة على نفسه كي يتمَّ عمله، لكن سميث لديها احتياجات جديدة تنتمي إلى هذا العصر،   احتياجات تسميها: شركة التفرغ وبرنامج ضبط النفس، وتعبر عن رغبتها في أن تتحول ابتكاراتها هذه إلى تطبيقات برمجية يتم تحميلها من الإنترنت، تحلم أن تشيّد لنفسها بيئة محميّة وصارمة في وظائف تعطيل التطبيقات والمواقع التي تبعثر الوقت في العالم الرقمي.
 لكنها ليست أمنيات مستحيلة، فهذان التطبيقان موجودان حقًا، لقد طوّر فريد ستوتزمان، الأستاذ المساعد في جامعة شمال كارولينا، مع كونتس نيك هورنبي ونعومي كلين، وبمساعدة بعض المستخدمين العاديين، برنامجًا مضادًا للتواصل الاجتماعي، وإلى جانب ذلك فقد سعى ستيف لامبرت، فنان النيويورك تايمز، وفي سبيل الممازحة، إلى إنشاء نسخة مزيفة من برنامج يدعى: السيطرة الذاتية، في نوفمبر سنة ٢٠٠٨.
ربما تأثرت سميث ومن يشاركها هذا الهم: فريد وكونتس ولامبرنت؛ بآراء جوناثان فرانزن، الروائي الأمريكي الذي أدلى بتعليقٍ مشهور عن روايته (التصحيحات) التي كتبها في أربعة أعوام وهو معصوب الأذنين والعينين كما يرد في الكلام عنها!، يقول جوناثان الغاضب من مواقع التواصل الاجتماعي: «أشكُ أنّ كاتبا ما يوصل مكان كتابته بالانترنت سيتمكن من كتابة رواية جيدة». وبعيدًا عن تعليقات جوناثان، هل تفضي مقاطع القطط في اليوتيوب والتغريدات التي لا موجب لها، ورنّات الإيميل وهي تصطف في بريدك الإلكتروني؛ إلى ورشة مناسبة لكتابة رواية جادة ومنظمة من مئة ألف كلمة؟!
  لقد بينت تقارير مؤسسة أوفكوم المعنية بأغراض التواصل الإلكتروني، أنّ ثمانية من عشرة بريطانيين يملكون وصلة انترنت في منازلهم، وأنّ المستخدمين في انكلترا يقضون 24 ساعة ونصف مع الإنترنت في الشهر الواحد، وبيّنت أوفكوم أن هذه النسبة تتضاعف في كانون الثاني، كما أن عدد الذين يستخدمون الشبكة في أماكن العمل قد بلغ ما نسبته 27 بالمئة بين عامي 2004 و 2008، وهذا يعني حسب إحصاءاتها الرسمية: عدد الموظفين المرتبطين بالشبكة ارتفع من أربعة ملايين ونصف إلى سبعة ملايين.
ونحن نجدف في غمار الأنترنت أكثر وأكثر، يبرز السؤال حول أهمية الموازنة بين فوائده ونسبة اللهو التي تتعاظم فيه، ومعه يبرز الفضول بالتعرف الى أدوات السيطرة النفسية والحجر الإلكتروني التي يطبقها كتّاب الروايات وهم يعملون بمشقة في ورشهم، وماذا يخبرنا كل هذا حول مقدرتنا على التركيز والمطاولة بين وميض المواد المختلفة في العصر الرقمي؟
نِد بومان، روائي أمريكي شاب بلغت روايته الثانية «حادث بفعل التخاطر» قائمة البوكر البريطانية لهذا العام، يقول أنه يستخدم الأنترنت كواحدٍ من مصادره «التي لا غنى عنها في طريقة عملي»، استفيد من الــEod.com وفليكر (موقع تبادل صور) ويوتيوب وموسوعة الويكيبيديا، «فأنا لا أعتبر ويكيبديا نوعا من اللهو، بل أجدها نافعة دائما». ولد بومان عام 1985، فهو من جيل الرقميات المثالي؛ الذي قضى معظم سنواته محاطًـا بفيض التكنولوجيا، لكن انغماسه منذ طفولته في أطياف الرقميات لم يجعله بمنْأىً عن قوة اللهو الخفية في الانترنت ومضار جلسات الاستخدام الطويلة، فقد أوضح بأنه يستخدم حيله الحاسوبية المتقدمة التي تتوق زادي سميث لامتلاكها!
«لدي خمسة مستويات استخدمها في عملي من أجل الوقاية، فأنا أُشذب ملف الاستضافة الخاص بتصفحي بآلية حجر ذاتية، لكن هذا لا ينفع كثيرا، استخدم تحته برنامج K9، وهو من برامج الرقابة الأبوية مهمتهُ غلق مواقع محددة، ومعه استخدم برنامجا صغيرا مصنع خصيصا لمنع الإعلانات؛ غير أني أستفيد منه في حجر التعليقات التي لا أرغب في مطالعتها تحت المواد النصيّة، وبينما أنقب في عملي أستخدم تطبيق ناني الذي ينفع مع الكوكل، وتطبيق سيلف كونترول لحجب موضوعات محددة».
  وهل تظن أنّ المواقع التي تحجبها تجرفك نحو اللهو؟، يجيب ند: «تقريبا..كل الصحف والمجلات والمدونات وتويتر»، ثم أضاف مع ملامح تخبرنا بصراحته المسلية: «أغلق أيضا بعض المواقع التي تتعلق بعملي؛ أشعر أن النظر إليها ليس مفيدا». ولمّا شرحت لند التقنيات التي تستخدمها زادي سميث، وتلك الأخرى التي ينوي تطبيقها ويل سيلف، الروائي الآخر الذي دخلت روايته «المظلة» القائمة الطويلة، فزّ ند وصاح قائلاً: « مهلاً زادي!، أوه..أنا آسف لقول هذا: فقط أغلق الكمبيوتر الآن، وامسكِ ورقة وقلم، هذا مثير للشفقة».
سيلف، المولود سنة 1961 يصف نفسه بالــ«مهاجر الرقمي»، كتب مسودته الأولى بواسطة آلة طباعة قديمة ولم يزل يفعل ذلك حتى عام 2003، حينما بدأت الشبكة تصبح أكثر انتشاراً، يقول:« أشعر حقًا بأني تضررت من انحرافات الاستخدام وعبث الإنترنت، أميل الآن إلى قدر من البساطة والوضوح توفرها آلة الكتابة العادية»، «الإنترنت تقانة لا معنى لها بالنسبة للمنهمكين بالكتابة الإبداعية، بشكل مباشر على الأقل، فنحن في حقل التوصل إلى حقائق لا يمكن نيلها إلا بالتأمل العميق والملاحظة الخاصة، وينبغي التصريح أيضا بان الانترنت اختراع جبّار ومن الغباوة التخلي عنه، لكنه يعدُّ لهواً في مضمار الكتابة الإبداعية الحقيقية».
الإنترنت، لم يعد مجرد لهو فحسب في أذهان البعض، فنيكولاس كير الذي رشّح كتابه (الظِلال) لجائزة البوليترز يرى أن مسارات الشبكة تغيّر أدمغتنا أيضا، ففي مقال له عنوانه: كيف يغيّر الانترنت طرائق تفكيرنا، اقرأ وتذكّر ( ٢٠١٠)؛ يسجل نيكولاس ذلك (التبدّل) بين ذهن هادئ وشديد التركيز وأحادي المسار في الماضي، وآخر صار يطالب ببيانات قصيرة ومفككة مع مفاجآت سريعة ومتداخلة، قد يكون الأسرع فيها هو الأفضل«.
 » في القرون الخمسة الماضية، ومنذ اختراع غونتبرغ لآلة الطباعة التي ساهمت في تدول الكتاب شعبيا،  كان العقل الخطي الأدبي مركزاً للفنون والعلوم والمجتمع، مطواعا ومسخِرا لها كل ليونته وسلاسته. هذا العقل كان مركز تخييلات عصر النهضة، بل هو عقل الثورة الصناعية اللبيب وهو نفسه المدبر للحداثة الخطرة التي أصبحت ماضيا الآن«.
حياتنا العملية تأسرها شاشات الحواسيب، وتظل رهينة للطبيعة المتشظية والملحة للانترنت، وما زلنا نتذبذبُ بين لحظة إطفاء الجهاز وتشغيله. «كيف لا يستبعد الناس فكرة أنّ هذا يغيّر عقولهم»، تتساءل سوزان غرينفلد أستاذة علم الأدوية بجامعة أكسفورد؛ مضيفةً: « هل من يعمل الآن يشبه من كان يعمل قبل عشرين أو ثلاثين سنة؟! ولا يهمني هنا أيهما هو الأمهر، الواضح هو أن هنالك تغيّيرا ما قد حدث، وهذا ما نسعى الى تشخيصه وتقييمه، نعلم جيدا أن سكّان مملكة الحيوان قد تكيفوا مع بيئاتهم، وما يميز الإنسان هو أنه يفعل ذلك ببراعة، وحينما تضعه في بيئة مختلفة، ستجده خاضعا لوصاية عوامل النشوء، فأنا مثلاً من مواليد الحرب العالمية الثانية ولست من جيل الرقميات، رغم أني أجدُ صعوبة في إتمام قصة الأخبار الكاملة.. لكني أرى نفسي مهتمة».
كمدمن سابق، يعي ويلف جيدا أن الانترنت يقود مستخدميه إلى متاهة إلهاء مغلقة، «فهو يقدم معايير الإدمان ذاتها، محتويات تسبب هوسا ذهنيا، ويربطنا بها قهريا، أرى أن الآلة من هذا النوع تمثل نموذجا لحالة إدمان، وأراه شيئا ينبغي أن يدرج في قائمة ما ينبغي على المدمنين التخلص منه».
 قد يكون لهذا الأمر صلة بظهور ملامح الإدمان في رواية زادي سميث، فشخصية ناتاليا؛ المحامية الناجحة التي تقارع حالة إدمانٍ سرية، تتواصل مع مجهولين يبحثون عن المتع الجنسية السريعة.
 أسوأ شيءٍ فينا، كما تقول غرينفيلد، ليس هو السعي نحو إثارة الاهتمام، بل ما تؤكده الدراسات بشأن انعدام الاهتمام الذي ينتج عنه تدني الأجور، فكلنا نحب أن نلقى قدرا من العرفان، فرسائل الإيميل والتغريدات تعزز بك الشعور بالغنى والأهمية، تؤدي دفقة الدوبامين (ناقل عصبي له علاقة بالانتباه والمتعة) التي تحررها رسالة جديدة في صندوق بريدك أو إشعار بتغريدة ما؛ إلى تقطيع لحظات السكون والتأمل، وتجعلك مرتهنا بهذه المتع الصغيرة، وهذا يعني أنك  أصبحت مدمنا. فلا عجب إذاً، أن العمل وحيدا برفقة مشاغل ذهنية كالكتابة مثلاً، سيوفر دربا للإدمان ولمنافذ التعليق على مادة ما في الفيسبوك أو التويتر أو حتى قطط اليوتيوب، ومع تمدد ساعات الانشداد المخصصة اصلاً لفكرة موصولة، ستغدو فكرة مثل كتابة رواية مهمة عسيرة.
 يقول نِد:« أكره الانترنت وعندما أصبح أكبر عمراً سأجعله يشغل حيزا أقل في حياتي.. أن تتوفر هذه الكميات الوفيرة من البيانات وبطريقة مجانية لعدد كبير من الناس فهذا ما يخدم في تحقيق مبدأ المساواة بيننا، لكن ما هو مؤكد أن الانترنت يتحكم بغرائزنا المدمرة».
   إن تحميل برنامجي السيطرة والتفرغ، قد يساعدنا، والحق أن لا شيء يعوّض تلك القدرات الحقيقية المطوية في آليات تفكيرنا والمخزّنة في داخلنا منذ سنواتنا المبكرة.
  وتختم سوزان غرينفيلد حديثها: » إذا كان صاحب العقل الوضّاء والمبدع، زادي سميث كمثال؛ بحاجة إلى مثل هذه البرامج ؛ فما هو حال من هم في الخامسة عشرة من العمر».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بايدن: اتفاق غزة بات أقرب من أي وقت مضى

خرائط وبيانات ملاحية ترصد 77 خرقاً "إسرائيلياً" لأجواء أربعة دول عربية منذ تهديد إيران

مشعان الجبوري يخاطب "السيادة": اعتذروا والا

أمر قبض ومنع سفر لـ"زيد الطالقاني"

برلماني يكشف آخر مستجدات منصب رئيس البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في هامبورغ

الرسام والنحات جواد سليم

ذكاء ChatGPT الاصطناعي وتحديات التعليم العالي

أهمية السيناريو في صناعة الفيلم السينمائي .. في البدء كانت الكلمة ـ السيناريو

معضلة الذكريات الرقمية صوفي مَكْبين*

مقالات ذات صلة

معضلة الذكريات الرقمية صوفي مَكْبين*
عام

معضلة الذكريات الرقمية صوفي مَكْبين*

ترجمة: لطفية الدليمي يشيع نوع من الارباك والخلط في أجواء العوائل عندما تحكى القصص وتعادُ روايتها مرات ومرّات وتكون لها في نهاية الامر حياة خاصة بها لا علاقة لها –ربما- في قليل أو كثير...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram