المدىحين كتب رئيس التحرير إفتتاحية (المدى) السبت الماضي عن "مظاهر وهن القضاء وهشاشة الدولة..." في إشارة إلى الحادثة المروعة التي جرت وقائعها قبل بضعة أيام في منطقة العرصات، في وضح النهار وأمام أنظار المواطنين ،
وكانت ضحيتها مذيعة في قناة العراقية جرى الاعتداء الوحشي عليها وتمزيق ملابسها، لم نكن لنتوقع أن يتضمن رد مجلس القضاء الأعلى الذي وردنا أمس التأكيد على ان "الإعلامية المشار اليها لم تسند الفعل إلى شخص أو أشخاص معينين وأن يكون ابن المسؤول الذي وردت الإشارة إليه في مقالكم" إلى آخر هذه الفقرة التي يختتمها المجلس بالقول: "ان التحقيقات مستمرة للوصول إلى هوية الجناة" وهي جملة تنسف هذا النفي جملة وتفصيلا، فالمجلس لم ينته من التحقيق غير أنه لا يتورع عن الجزم بأن ابن المسؤول بريء من التهمة، مع أن افتتاحية المدى كانت دقيقة وواضحة حين أشار الزميل رئيس التحرير إلى "ان الوقائع المتداولة توجه أصابع الاتهام الى الحماية الشخصية لولد أكبر مسؤول في الدولة، وهو اتهام قد يدخل في باب التشهير، اذ لا بد في مثل هذه الحالة من اعتماد أدلة ثبوتية تأكيداً لصحة الاتهام وصدقيته". إذ جرى الحديث عن وقائع متداولة واتهام قد يدخل في باب التشهير، فضلا عن أنه موجه إلى حماية شخصية لابن المسؤول الكبير، وهذه الدقة تنبع من حيادية المدى ومهنيتها المعروفة، غير أن ذلك كله لم يمنع مجلس القضاء الأعلى الموقر من الجزم ومنح صك براءة لابن هذا المسؤول الكبير - أو الصغير، لا فرق- وكأننا في ظل ما تعانيه مفاصل الدولة من وهن، غافلين عما يدور في أجواء الفساد المالي والإداري وما ورثه نظامنا القضائي من أخطاء فادحة وانتهاكات بشعة لاستقلاليته ونزاهته على مدى عقود من الطغيان والاستبداد، وما ينجم عن هذا كله من واقع قد يتعرض فيه المواطن إلى ضغوط لا تعد ولا تحصى، فلا نأخذ بنظر الاعتبار المخاوف التي تعتري فتاة كانت ضحية لاعتداء مناف للقيم والأخلاق والتقاليد والقوانين كذلك. وكيف يتسنى لنا أن نتيقن من أن هذه الإعلامية لم تتعرض لسيل من الضغوط ووسائل الترهيب والترغيب –ربما- في بلد ما زالت العصابات تواصل جرائمها على أرضه، فتخطف الناس وتسلب المصارف في وضح النهار، وتتوالى لجان التحقيق فيه بلا نتائج تشير إلى الجناة والمجرمين..!رد مجلس القضاء الأعلى يؤكد أن التحقيق مستمر لكنه لم يوضح لنا كيف أمكن له ان يجزم أن ابن هذا المسؤول أو أفراد حمايته أو تلك العصابة الإجرامية أو تلك الجهة المتنفذة التي لا تراعي كرامات المواطنين وحقوقهم الدستورية، لم تكن مسؤولة عن تلك الجريمة أو عن الاعتداء الذي لحق بمواطنة عراقية في وضح النهار، وفي السياق ذاته لم يكلف المجلس نفسه أن يولي ما نشرته المدى قبل أيام عدة عن مدير الشرطة الدولية، ما يستحقه من اهتمام.. وما زال التحقيق مستمرا.
فــــارزة: ما زال التحقيق مستمرا... ولكن!
نشر في: 20 أكتوبر, 2009: 08:09 م