TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :أكبر من الحزن

سلاما ياعراق :أكبر من الحزن

نشر في: 24 سبتمبر, 2012: 08:09 م

 هاشم العقابييختلف علماء النفس في تفسيرهم للحزن عن الأدباء. كثير من نقاد الأدب يرى الحزن فضيلة تقود الى الإبداع ويشاركه في ذلك جمع من المعنيين بشؤون الأدب. ليس الأدباء والنقاد وحدهم بل حتى بسطاء الناس يعتقدون ذلك. اما عالم النفس فانه لا يراه نعمة، خاصة اذا تحول من حالة الى ظاهرة 
rnاو من مؤقت الى دائم. فالإبداع في بعض من معانيه خلق، اي بناء، والحزن ان طال او عم صار مرضا نفسيا او حتى عقلي. والمريض النفسي او العقلي لا يبني بل يهدم حتى نفسه. من هذا المنطلق لم اكن مقتنعا بان أغانينا وآدابنا الشعبية تشكل نتاجا لظاهرة الحزن.rnكنت ذات يوم، في أواسط التسعينيات، في زيارة لعمّان لرؤية عائلتي، كما كان يفعل اغلب العراقيين. وبينما كنت في انتظارهم قررنا انا وصديق لي القيام برحلة صوب البحر الميت. كانت فرصة لنراه قبل مجيء الأهل، لأن إسرائيل متفقة مع الأردن على عدم السماع لحملة الجوازات العراقية بزيارته. وبما أننا، انا وصديقي، نحمل جوازين بريطانيين ذهبنا الى هناك معززين مكرمين!rnواثناء العودة توقفنا عند بار ريفي يقع على مرتفع جبلي تحيطه "مقالع" للصخور. وهناك تسلل لنا صوت احدهم يغني. كان الصوت عراقيا والأغنية بيتا من الأبوذية على طور "الشطّيت":rnنزل حيلي وضعف جسمي بلا دايrnوفوج البحر من عسري بلا دايrnبس آنه علي جارت بلادايrnشجنيت وي الزمن واغضب عليه؟rnتركنا الذي بين ايدينا وانحدرنا باتجاه الصوت فوجدنا المغني ينحت صخرة بين يديه وقد هده التعب وعلاه الهم. عرّفنا بنفسه، بعد ان عرّفناه بنا. إنه من السماوة  وقد اجبره الحصار الظالم على ان يصبح بتلك الحال. شكا لنا مرارة غربته وقسوة صاحب العمل الأردني وقص لنا حكايات عنه تشبه حكايات ظلم الإقطاعي العراقي. اخبرنا بأنه قد نفذ صبره وانه يعد الأيام ليجمع ولو "ورقة" واحدة ليسافر بها الى العراق ولن يفارقه حتى وان  مات جوعا.rnبعد ان عرف اننا مغتربان، وحين شاهد دموعنا، اطمأن لنا. وابن السماوة هو ابن "الحسجة" قلبه دليله، خاصة اذا كان من بني "حجيم". وهؤلاء لا تميزهم طيبتهم وشهامتهم وفطنتهم، حسب، بل ولهم "هوسة" من إيقاع شعري خاص بهم تسمى "الحجيمية". وهي اطول من "العكيلية" من حيث عدد الكلمات وطريقة الأداء. وكمثال اذكر منها: "اجفوف العدنا اطوال انكوش العالي ونشرب ماي اعليه".rnقلنا له ننعل ابو الفلوس. هات أغراضك وأوراقك واذهب معنا في ضيافتنا الى عمّان. وان رجعنا الى لندن عندها فكر بعودتك للعراق. عدنا لمكاننا وهو معنا فاستأذننا بكل أدب أن نغير المكان. ليش؟ مو خاف هذا ملعون الوالدين صاحب العمل يشوفني ويسد عليه الطريق. ولا يهمك. لبينا طلبه وتزودنا بما يكفي من العلب المثلجة كمتاع لنا في الطريق. جرّ مجعة مترعة من البيرة الباردة ونحن في السيارة ولم يعلق بشيء. قلت له يبدو انك لا تحب البيرة. رد علي: تريد الصدك؟ ما احبها. ثم تحسر وقال "بلاية العرك ما تطلع شمس زينة". صحنا ومعنا السائق الأردني: اللــه. ثم غنى السماوي فلم نجد غير ان نظل صامتين بخشوع لعذوبة صوته وعمق معاني كلمات أغانيه. rnوحينما هدأ ، قلت له يا لهذا الحزن العراقي الذي لا ينتهي. رد: انه ليس حزنا بل شيء اكبر من الحزن. rnللحديث بقية.  rnrn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram