نجم واليالرواية القصيرة "صمت البحر" التي تُرجمت بسرعة إلى لغات عديدة واشتهرت عالمياً، تنتمي إلى تلك الأعمال التي كان من غير الممكن صدورها باسم مؤلفيها الحقيقيين. عام 1942 جعل الكاتب الفرنسي الذي كان يعيش في باريس جيان مارسيل برولير الرواية تُطبع في جينيف تحت الاسم المستعار فيركور ثم ليتم شحنها بعد ذلك وبصورة سرية إلى باريس المحتلة في حينه من قبل الألمان.
تلك كانت الطريقة الوحيدة بالنسبة للكاتب المقاوم لنشر روايته في باريس. الكتاب هذا هو الكتاب الوحيد المعروف لبورلير (فيركور) والذي يُعتبر العمل الأدبي الأساسي للمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي في حينه. في أزمان الديكتاتوريات يقف الكتّاب الناقدون للسلطة أمام الخيار: أما الصمت والذهاب إلى المنفى. وإذا قرروا البقاء ومواصلة الكتابة، فعليهم الكتابة في هذه الحالة تحت اسم مستعار، وإلا عليهم أن يموتوا. أو في أفضل الأحوال تنتظرهم زنزانة السجن. أيضاً فترة مكارثي في الولايات المتحدة الأميركية لسنوات الخمسينات هي مثال مشابه. كتّاب عديدون كان عليهم البحث عن كاتب "شبح" بديل (غوسترايتر) لكتبهم. الروائي الأميركي المشهور فيليب روث وثق تلك الفترة بشكل جيد في روايته "الكاتب الشبح" (1979 في الإنكليزية الأميركية ) والتي صورها وودي ألن ببطولته للسينما.ولا حالة من هذه الحالات لها تتطابق مع النقاش الذي يدور منذ أسابيع في الرأي العام الألماني والمشهد الثقافي بصورة خاصة. أعرف، أن هناك من يقول، عن أي شيء تتحدث؟ هنا لا يتعلق الموضوع بشيء يمكن تصنيفه بالأدب. "الأدب" أصبح ماضيا للأسف في ألمانيا. هنا الموضوع له علاقة بتهديم الأدب، انحدار الأخلاق وانحطاط الفكر عموماً. ألمانيا لم تعد بلد الشعراء والمفكرين، كما قيل عنها دائماً. نحن نجد أنفسنا في فترة المزورين والجشعين. بالأمس كانت الكاتبة الشابة هيغيمان التي لطشت روايتها من الإنترنيت، بالأمس كان وزير الدفاع السابق تسو غوتينبيرغ الذي انتحل أطروحته للدكتوراه، واليوم رئيس القسم الثقافي لإحدى الصحف المهمة في ألمانيا، الذي ينشر رواية بوليسية باسم مستعار: بيير يوهانسين، اسم سويدي في الحقيقة. لكن لماذا الاسم سويدي، ولماذا الإدعاء بأن الرواية مترجمة عن السويدية، يسأل القارئ البريء؟ لماذا ليست رواية بوليسية ألمانية أو إيطالية؟ الجواب بسيط جداً، لأن ألمانيا سوق رائجة للروايات البوليسية السويدية، إذا استثنينا روايات الأميركية دونا ليون التي تدور أحداثها في البندقية التي تعيش فيها المؤلفة منذ سنوات. حتى كتابة هذه السطور هناك 8 روايات بوليسية من العشرين كتاباً على قائمة البيستسيلير التي تصدرها مجلة شبيغيل كل يوم اثنين. ومن يعرف ذلك أفضل من رئيس قسم ثقافي في صحيفة ألمانية ودكتور في الأدب السويدي.الفضيحة التي أثارتها الرواية ليس فقط بسبب نشرها تحت اسم سويدي مستعار، بل أكثر بسبب شخصية الضحية في الرواية. بالنسبة للصحافة الألمانية أن مواصفات الضحية كريستوف ماير الذي يُقتل بضربة مسحاة على رأسه وتأكل جثته الطيور، تنطبق على شخصية رئيس قسم ثقافي في الصحيفة الألمانية رقم واحد، والمنافس لمؤلف الرواية كما إنه كان رئيس عمله قبل عقدين. لكن في حمى النقاش الدائر ضاع الميت الحقيقي في هذه المذبحة الثقافية الذي هو ليس غير صاحب النوبل، الروائي التركي أورهان باموك. "الرواية البوليسية الأفضل والأكثر دهاء التي لم أقرأ مثلها منذ زمن طويل"، هكذا كتب باموك على الغلاف. رغم أن الجميع يعرف، أن باموك لا يعرف اللغة السويدية (اللغة المفترضة للرواية) ولا اللغة الألمانية (اللغة الأصلية للرواية). كيف وصل الأمر بأن يشترك هو بالذات في أورجيا استغباء القارئ واحتقار الأدب هذه وبصورة فعالة؟ وحدها عائلة باموك عائلة غنية. هذا يعني إنه لم يفعل ذلك بسبب الفلوس. من أجل ماذا فعل ذلك صاحب نوبل إذن؟ هل كان ساذجاً وفعل ذلك باسم الصداقة، لأن صداقة حميمة ربطته بالصحفي مؤلف الرواية كما هو معروف؟ هل تم ذلك بدون علمه أو فعل ذلك رداً لجميل قام به له صديقه العاشق السويدي؟ لكن رداً للجميل عن ماذا، يسأل المرء في هذه اللحظة؟بتقشير بصله والكشف عن ماضيه النازي (مذكراته نُشرت بعنوان: تقشير البصل) أساء غونتر غراس للقب النوبل. عن طريقه كلمات مديحه المطبوعة على غلاف الرواية البوليسية التي لم يقرأها أصلاً فعل باموك المثل. والصديق المؤلف ودار النشر ساعدا على وقوع الجريمة بنشر كلمات المديح! على أية حال هناك كما قرأنا قبل أيام، طبعة جديدة للرواية بالاسم الحقيقي وبدون الاسم المستعار. الاقتراح اللائق في هذه الحالة هو أن تحمل الرواية عنواناً جديداً أيضاً. عنوان سويدي جداً: جريمة قتل في نوبل أكسبريس. وفي ما يخص المضمون وما سيحدث بعدها، فنحن بانتظار المفاجأة!
منطقة محررة: جريمة قتل في قطار النوبل السريع
نشر في: 25 سبتمبر, 2012: 07:12 م