أربيل / المدى لقاء افتراضي بين المناضلة ليلى قاسم التي أعدمها النظام البعثي في السبعينيات في نفس ليلة اعدام حبيبها، وبين الشاعر الكردي فايق بيكه س وهو من رواد خطاب التضامن العربي الكردي لمواجهة العسف وانتصارا للحرية. "الوردة الحمراء" مسرحية كتبها واخرجها المسرحي العراقي المغترب والفار من عسف الدكتاتورية الصدامية فاروق صبري، محاولا التوغل في عمق النفس البشرية التواقة للحرية والتحرر من عبودية الاستبداد بمواقف شجاعة تؤدي وأدت الى حبل المشنقة، رافضة حتى التنازلات الصغيرة بنظر الجلاد لكسب الحياة الهادئة في أحضان العبودية.
محاولة شجاعة وجريئة لفاروق صبري حيث يحاول الإمساك بكل هذه الخيوط عبر ممثلين فقط هما: المتألقة جيهان طه التي لعبت دورا مزدوجا، المناضلة ليلى قاسم وزوجة الشاعر فايق بيكه س، فيما قام بالدور المزدوج الآخر الممثل المخضرم رفيق حنا الذي جسد دور الشاعر المتمرد مرّة، وكحبيب لليلى قاسم في شخصية أخرى، ومرّة أخرى زوجا مناكفا ولكن أيضا من أجل حياة أفضل، وجلادا يتسلى بتعذيب ضحيته ولف حبل المشنقة حول رقبتها.(الوردة الحمراء) مسرحية لا اعتقد ان من مهامها قراءة الماضي ولا التأريخ، بحسب مخرجها، بقدر اهتمامها بتقديم النموذج المطلوب في كل زمان ومكان للموقف الشجاع دفاعا عن الحرية، واستشهادا لها، ونضالا من اجل خلق جنة الله على الأرض، كما في دور ليلى قاسم وهو يدق أرضية المسرح صارخا "الجنة هنا في الأرض".يقول مخرج ومؤلف العمل (الوردة الحمراء)، وتعني بالكردية "كولالة سورة " "انها محاولة لتقديم عرض بصري ممتع ومعرفي ننقل للاخر ثقافتنا ومعارفنا، موسيقانا، طبيعة مجتمعنا، ذائقتهم، هواجسهم أحلامهم، نكباتهم، بطولاتهم، بمعنى من نحن في سياق الكون البشري". و"فكرة العمل تدور حول قوة الكلمة من خلال، بل وقدرتها على خلق المعجزات والكلمة في هذا العرض هي القصيدة، بها نقاوم الشر بحسب بيكه س". ولفت إلى ان ترجمة قصائد الشاعر الكردي بيكة س الى العربية، أنجزت من قبل الشاعر المبدع جلال الزنكبادي، وهو صحح لنا الكثير من الأغلاط التي وقعنا فيها ونحن ننقل قصائد أو بعض قصائد بيكه داخل النص". ويعد هذا العرض، العمل الثاني يقدم في كردستان بعد تقديمه لعرض "أمراء الجحيم " في إحدى دورات أسبوع المدى الثقافي للمخرج المسرحي فاروق صبري الذي قدم الكثير من الأعمال المسرحية المتميزة في داخل العراق وخارجه. العمل الذي قدم باللغتين العربية والكردية يقول عنه المخرج الكردي الكركوكي بأنه "اقرب الناس إلينا في الجغرافيا والوجع والحلم هم العرب الذين لا يعرفون عنا الا القليل جدا".وفاروق صبري مسرحي عراقي يقيم في نيوزلندا، لكنه عكف على ادامة التواصل مع بلده منذ العام 2003. ولد الفنان ونشأ في كركوك وتخرج من معهد الفنون الجميلة، قسم المسرح والسينما، وكانت أطروحة تخرجه فيلما سينمائيا قصيرا مأخوذا عن قصة (التابوت) وهي إحدى قصص مجموعة (المملكة السوداء) للقاص محمد خضير.والشهيدة ليلى قاسم حسن مواليد عام 1952 في مدينة خانقين، القي القبض عليها مع عدد من رفاقها في 29 نيسان 1974، بسبب نشاطها السياسي، وفي 12 أيار 1974 تم إعدامها شنقاً حتى الموت دون محاكمة قانونية تذكر.اما الشاعر فائق بيكه س فهو فائق بن عبد الله بيك كاكا حمه المعروف باسم "بيكس" ومعناه بالكردية "بلا أحد"، شاعر مغمور يمثل الاتجاه الديمقراطي التقدمي في الأدب الكردي، ولد في قرية "سيتك" بجوار مدينة السليمانية سنة 1905، أشترك في انتفاضة 6 أيلول ضد المعاهدة البريطانية - العراقية، فأعتقل مراراً، وأشتهر بقصائده ذات الطابع السياسي، وأخذ يتغنى فيها بأمجاد أمته ويدعو إلى النضال ومقامة المستعمرين، وتوقف قلبه عن الخفقان في 18 كانون الأول 1948 بمدينة حلبجة، وترك أسمه خالداً في ثنايا أفئدة قومه.وقال فيه محمد مهدي الجواهري: أخي بيكس، يا سراجاً خبا ويا كوكباً في دُجى يفتقد، ويا حاصداً من كريم الزروع غلال الأذى والأسى والحسد "بلا أحد" سنّة العبقري يعي الناس إذا لا يعيه أحد "بلا أحد" غير خضر الجبال ووحي الخيال وصمت الأبد.توليفة بانورامية قدمها لنا فاروق صبري في "الوردة الحمراء" عن الحب والحياة والموت والميلاد كما يقول شاعرنا الكبير شاكر بدر السياب، امتزجت بتفاعل الجمهور النوعي الذي حضر العرض وتفاعل مع مفرداته ورؤاه الفكرية والفنية. والحرية كما يقول شاعرنا الكبير لها باب بكل يد مضرجة تدق.الملاحظة اللافتة للنظر وهو تساؤل نضعه أمام اللجنة المنظمة عن سر عدم اختيارها المسرحية ضمن المسرحيات المرشحة للجوائز ذلك أن بعض أعضاء اللجنة حضروا بروفات العمل وأشادوا فيه، وبعد العرض استغرب الكثير من المهتمين بالمسرح عن السبب الحقيقي لإقصاء الوردة الحمراء من ترشيحات الجوائز، وهو نفس الاستغراب الذي حمله إلينا مخرج المسرحية ومؤلفها!
(الوردة الحمراء) تفضح جلادي الحياة في قاعة الشعب بأربيل
نشر في: 25 سبتمبر, 2012: 08:19 م