TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر :العزلة كما يرسمها اي باد

عالم آخر :العزلة كما يرسمها اي باد

نشر في: 25 سبتمبر, 2012: 09:23 م

 سرمد الطائيلليوم الثاني على التوالي يموت تلاميذ الصف الاول ابتدائي بالعبوات الناسفة التي توضع امام مدارس محافظة الانبار. الاطفال العراقيون دخلوا بآمال كبيرة الى العالم الحقيقي لاول مرة في حياتهم وبدل ان يتعلموا خط الحرف الاول الذي يربطهم بالكون من حولنا، فقد ادركوا على نحو مؤلم ان الحياة غير عادلة ابدا، وان الشر متأصل في نفوس الكثيرين القادرين على قتل طفل في السادسة جاء ليتعرف على رموز الحياة بشكل متحضر، فتلقفته ابشع صور الغدر والموت.
rnوقد جربت الاحساس بالموت هذا في طفولتي، اذ كانت في مدرستنا "صيتية" او صافرة انذار. وتحدثت في الماضي عن مدير المدرسة الذي يحتار خلال الهجمات، بين الانشغال بتعليمنا الحياة او بتنبيه الاهالي في المدينة الى قدوم الصواريخ ورسل الموت، حيث كان مكلفا بتشغيل صافرة الانذار تلك.rnويبدو ان القدر العراقي يصر على ان يعلم اطفالنا معنى الوجود، عبر بوابة العدم. ويكفي اننا امام اجيال عراقية لا تفهم معنى السلام لانها لم تعش الا في كنف حروب لا تنتهي.rnوما يزيد اثر الحرب على اجيالنا شبه الضائعة، سوء الادارة وانعدام ابسط مقومات التخطيط. فوزارة الدفاع تريد ان تقترض وفق قانون البنى التحتية، نحو مليار دولار لبناء مراكز الحدود، لكنها بدأت منذ يوم امس بتسليح الجيش الموريتاني تنفيذا لتوجيهات سلطاننا، حسب السيد الدباغ الذي اعلمنا ان المساعدات العراقية لنواكشوط تضمنت اهداء عجلات حربية متنوعة ومعدات عسكرية، على طريقة "مجدي يجدي من مجدي". ولا ندري هل لدينا مال كاف لنساعد جيوش المغرب العربي ام اننا لا نمتلك مالا لبناء معسكر او مخفر حدودي بحيث يريد السلطان ان يبنيها بالدفع الآجل؟ ويا ويلي اذا "زعلت علينا" جمهورية تشاد او النيجر.rnوانعدام التخطيط جاء امس ايضا على لسان احمد السليطي نائب رئيس مجلس محافظة البصرة، الذي قال ان مشروع البنى التحتية لم يجر تنسيق مخصصاته مع المدن الكبيرة واحتياجاتها الحقيقية. وهو يذكر ان البصرة هي المدينة الوحيدة التي تقع على البحر دون ان تمتلك محطة لتحلية مائه، وبدلا من ان يقدم قانون السلطان المذكور تخصيصا لانشاء مشروع يتيح الماء غير المالح لاهالي اغنى مدننا، فإنه خصص لها مدارس ومستشفيات كان مجلس المحافظة قد خطط لبنائها سلفا ودفع مبالغها من ميزانية المحافظة. وهكذا فإن اربعين مليار دولار امريكي هي قروض ستسدد من النفط لن يكون للبصرة منها شيء يذكر، ولن تحصل منه حتى على محطة لتحلية مياه البحر الذي وصل مده الى ملتقى النهرين في القرنة، بعد ان شاهد الصيادون مؤخرا اسماك القرش وهي تتبختر في شط العرب!rnتخلفنا التعليمي يعني ان شرائح واسعة من ابناء الشعب غير قادرين على التواصل المفيد مع شبكة المصالح الدولية من حولنا، وقتل التلاميذ يحمل دلالة رمزية موجعة في هذا الاطار. وتبديدنا للمال على خطط مرتجلة بلا تنسيق بين الدوائر الكبرى المعنية، يعني اننا خارج خارطة التنمية الدولية المحسوبة بدقة. ولعلنا أسوأ نموذج مثير للضحك في العالم، لبلد ينفق كثيرا من المال ويفشل في تحسين حياة اهله. اننا معزولون اذن عن شبكة النجاح والازدهار في العالم، وهناك حاجز بمستوى اللغز الرهيب، يجعل قياداتنا الحكيمة تفكر بطريقة فاقدة الصلة بالواقع الدولي والاقليمي، وكم ضحك العراقيون على مجلس محافظة النجف الذي اصدر قرارا مرتجلا بقطع الطريق على الرحلات الخليجية القادمة الى النجف "تضامنا" مع شعب البحرين. ثم عاد بعد يوم واحد وألغى قراره لان شيعة البحرين انفسهم اعترضوا قائلين انهم المتضرر الوحيد من عدم مجيء الطيران الخليجي الى المدينة المقدسة!rnلا نفكر مثل الاوادم ولا نتخذ قرارات مثل الاوادم، ولا نصرف فلوسنا مثل الاوادم. ايضا لا نموت مثل باقي اولاد آدم، ولذلك فإننا معزولون عن باقي اولاد ابينا كما تقول خرائط "اي باد". فهذا الحاسوب اللوحي الذي يريك كل الدنيا، يتضمن برنامجا اسمه "رادار" يوضح لك عبر بث مباشر حركة الطائرات في العالم. ومنذ يومين احدق فيه مع الاصدقاء ونشعر بوحشة رهيبة. فعلى خرائطه تظهر حركة جوية مزدحمة قرب شواطئ الهند وآسيا، وعند دول الخليج العربي، وفي اوربا والامريكتين، بينما نظهر نحن وايران وافغانستان، بلدانا خارج نشاط الملاحة تقريبا، لا احد يأتي لنا ولا نحن نذهب لاحد بشكل يليق بسكاننا وثرواتنا وموقعنا. اي اننا لسنا بعد شركاء في الدنيا المتقدمة. اننا منهمكون بتشييع تلاميذ مغدورين، ونحن غاطسون في بحر مالح يسخر من البصرة، نخرب علاقاتنا بالاقوياء ونستدين لبناء مخافر بينما نتبرع لموريتانيا بالدبابات. ولماذا يأتينا العالم اذن؟rnالا تشعرون مثلي بكل هذه الوحشة؟ افتحوا "راداراتكم" وسترون ايها الحكماء الذين يحرصون على حكمنا "بالعدل والقسط" في اي عزلة وضعتنا سياساتكم الحكيمة.rnrn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram