TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر :التفاؤل لا يحتاج الكذب بل الجرأة

عالم آخر :التفاؤل لا يحتاج الكذب بل الجرأة

نشر في: 26 سبتمبر, 2012: 09:45 م

 سرمد الطائيلسنا أول أمة مزقها التاريخ وأذاقها الويل. وليس علينا بسبب هذا ان ننتحب ونمزق ثيابنا ونلطم صدورنا كي نموت حزنا وكمدا. كما ليس المطلوب ان ننهمك بسرد الاكاذيب على انفسنا بهدف صنع تفاؤل مزيف نتبادل التهاني بشأنه. والامة الشاطرة هي التي تمتلك جرأة ان تنظر الى وجهها المشوه في المرآة، وان تواصل العمل الدؤوب ولا تجزع في الوقت نفسه.
rnمئات المليارات من بني البشر عاشوا على هذه الارض عبر التاريخ ومزقتهم الويلات والمحن. ظل الانسان آلاف السنين ينام على شجرة ويمضي ليلته يرتجف خوفا من الوحوش والكواسر. لم يكن يمتلك كلاشنكوف للدفاع عن نفسه، ورأى صغاره مرات ومرات وهم يتحولون الى وجبة للأسود او بقايا الديناصورات. لم تكن لديه قوانين تحميه من شيء ولا امم متحدة تقدم له المساعدات. لكنه لم يستسلم للذعر ولا لقسوة الطبيعة، وانشغل باكتشاف النار والزراعة والعجلة، ولولا حبه للحياة وعثوره على معنى جميل للتفاؤل وسط غابة الوحوش، لما كنا اليوم نتنعم بمنجزات التمدن البشري هذا.rnالكثير من الناس يصابون بالملل والاحباط حين تكشف الصحافة او البرلمان او اي جهة اخرى، معلومات وحقائق عن حجم الخراب الانساني والعمراني في بلادنا. والبعض منهم يطلب ان نتوقف عن سرد الكوارث هذه. لكن هذا مستحيل، فالصمت لن يقلص الفترة الزمنية المخصصة لتعذيبنا من قبل آلهة الشر وأربابه، والصمت لن يقصر عمر الازمة. والامم الحية هي التي تعترض كل لحظة على الاخطاء الممارسة داخلها، ويبدأ التفاؤل وحسب حين ينخرط كل المجتمع الحي بهذه الممارسة بحثا عن حل، ويبدأ التفاؤل وحسب حين يتحول الاعتراض المتواصل الى اداة ضغط تقوم بتغيير مستمر للخطط الفاشلة، وتضغط للبحث عن حلول علمية وصحيحة لوضع حد للتدهور.rnوجزء من الخطأ الذي نقع فيه جميعا في معظم الاحيان، اننا نستسلم ليأس ابدي حين نقف امام الحقائق المرة. بينما الاستسلام هذا سيجر المزيد من الخسائر، والذين ينجحون اكثر هم شخصيات قادرة على المبادرة والابتكار في احلك الظروف وأسوئها.rnوقد كنت احدق في صورة شرطي المرور الذي كتبت عنه قبل يومين، وهو يقف مكتوف الايدي يائسا من امكانية تنظيم الشارع، بينما تتناطح السيارات فيما بينها للخلاص من تقاطع الباب الشرقي مع ابي نؤاس. ويبدو لي ان حال هذا الشرطي ينطبق على شرائح واسعة من امتنا، وكاتب السطور لا يستثني نفسه من هذا الوباء الرهيب في كثير من الاحيان.rnلكن مقابل هذه الصورة توجد لدينا صور اخرى معاكسة تحفز التفاؤل. مثل الشباب الذين نظموا مظاهرات 25 شباط، وحين توقفت انشغلوا بأشياء مفيدة اخرى. نظموا احتفالا جميلا بيوم السلام العالمي. ونظموا مبادرة حلوة للتحضير لمهرجان للقراءة تحت عنوان "انا اقرأ". وأجدني احسدهم على قدرتهم هذه على الوقوف ساعات طويلة في الشمس لجمع تبرعات الكتب وحسم الكثير من التفاصيل استعدادا لمناسبتهم الكبيرة نهاية هذا الشهر.rnهؤلاء يصابون بالاحباط مثلنا تماما، ويطالعون الاخبار السيئة كل يوم، ويشعرون بالضجر اثناء علوقهم في السيطرات والازدحامات، كما يحسون بالخوف حين يتجول الموت في مدننا وقرانا. لكن هذه الاحاسيس لم تحبطهم، وبكثير من الحب للحياة قدموا تعريفا جديدا للتفاؤل لا يحمل اي كذبة او شعورا مزيفا، وهو: ان تواصل العمل المفيد وتبتكر حتى في أحلك الظروف وأسوئها.rnفي شركة او مؤسسة واحدة، تتشابه الظروف والاوضاع المأساوية، وتجد الكثير من المتكاسلين الذين يلعنون الحظ كل لحظة. لكنك تجد صورة اخرى لموظف هنا او منتسب هناك، يندفع بحب الحياة ويعمل ويبادر ويضيء مساحته الخاصة من هذا الكون، بينما بإمكانه ان يتذرع بمليون يأس كي يقف مكتوف الايدي امام مساحات الظلام الشاسعة.rnالشعوب الشاطرة لا تكذب على نفسها، بل تمتلك جرأة ان تروي أسوأ فصول حكايتها. لكنها لا تستسلم او تشعر باليأس. والحلول لا تنزل كهدية مغلفة من السماء، والانتظار مكتوفي الايدي لن يجعلنا افضل حالا يوم غد. الشعوب الشاطرة تتعلم من الشباب الذين يجمعون الكتب ويستعدون لمهرجان القراءة، رغم انهم يعيشون تحت رحمة حكومة تستكثر عليهم حياة مثل نظرائهم في الدول الحديثة، وتصوغ لهم احلاما على طريقة نظام طالبان.rnالتفاؤل ليس كذبا. المتفائلون الحقيقيون هم الاكثر حبا للحياة، والاكثر جرأة على مواجهتهاrn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram