سليمة قاسمالسياسة العامة هي مجموعة البرامج التي يعتمدها النظام السياسي في أي بلد، وهي في الوقت نفسه تتمثل في الإجراءات التي يتخذها صناع القرار لحل مشكلة عامة تواجه المجتمع أو لتحقيق أهداف تنشدها شريحة واسعة من ذلك المجتمع، لتأخذ طريقها إلى التشريع ثم التنفيذ في ما بعد.
تتولى رسم السياسة العامة لأي بلد، جهات رسمية تتمثل في السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، أما الجهات غير الرسمية فهي تقوم بالضغط على صانعي القرار الرسميين بشكل انفرادي أو توحيد جهودها ، وهم الجماعات الضاغطة وتتكون من الاتحادات المهنية مثل نقابات العمال، رجال الأعمال، الأحزاب السياسية والرأي العام (المواطنون)، فضلا عن وسائل الإعلام، التي تعد سلطة رابعة تراقب وتنقد وتقوّم.تمتلك وسائل الإعلام القدرة على ترتيب أولويات الجماهير وتوجيه الرأي العام وبلورة وتوحيد خطابه لتشكيل قوة ضاغطة لإيصالها إلى راسمي السياسة العامة، ولعل أهم الطرق العملية والفاعلة للتعاون بين راسمي السياسات العامة الرسميين وبين المؤسسات الإعلامية تتمثل في فتح قنوات للتواصل بين الطرفين وإيجاد صيغة عمل مشتركة للعمل بينهما وإشراك المؤسسات الإعلامية في صنع السياسات العامة بما يضمن مصالح شرائح واسعة في المجتمع. ومن الملاحظ أن دور المؤسسات الإعلامية في رسم السياسة العامة ليس بمستوى الطموح، رغم أهميته لا سيما بعد سنوات التغيير في طرح المشاكل التي يعانيها المجتمع ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها، لكن ضعف دور المؤسسة الإعلامية في صنع السياسة العامة لاتتحمله وحدها فقط ، فعدم اكتمال النضج السياسي لدى صانعي القرار أنفسهم نتجت عنه نظرة قاصرة للإعلام وخلل في فهم أبعاد العمل الإعلامي.وهذا لا ينفي دور وسائل الإعلام الفاعل في تراجع صانعي القرار عن تنفيذ بعض القرارات بدليل مشكلة المتجاوزين التي نبهت لها وسائل الإعلام، وعن الآثار والمشاكل الاجتماعية التي ستنتج عنها وتسببها في تشريد آلاف العوائل عند تهديم دورهم- فيما لوتم التنفيذ- وعلى إثر ذلك اضطرت الجهات الحكومية إلى تأجيل قراراتها المتعلقة بإخلاء بيوت التجاوز من ساكنيها تمهيدا لهدمها ، كما شنت وسائل الإعلام حملة واسعة عند تخصيص مبالغ ضخمة في موازنة العام الحالي لشراء سيارات مصفحة للنواب، اضطر معها المجلس إلى التصويت بأغلبية ساحقة على مناقلة مبالغ السيارات إلى أبواب أخرى في الموازنة لم يتم تحديدها بعد.انخراط المؤسسات الإعلامية في عملية صنع السياسة العامة سيسهم في تطور أداء هذه المؤسسات التي ستصبح شريكة في صنع القرار عن طريق كسبها ثقة الجماهير، فدور الإعلام في عملية صنع السياسات العامة لاينتهي عند التعريف بالمشاكل التي يعانيها المجتمع لتأخذ طريقها إلى راسمي السياسات العامة فقط، بل يتعداه إلى مخاطبة الجمهور والعمل على توعيته من خلال حملات إعلامية للتعريف بطبيعة القوانين التي تم تشريعها والتأثيرات الإيجابية والسلبية التي رافقت عملية التنفيذ بحيث تسير تلك الحملات جنبا إلى جنب مع السياسة العامة، فإذا أردنا أن يكتب النجاح للسياسة العامة فيجب أن تصبح عملية التوعية جزءاً من ثقافة المواطن والمجتمع وهو الدور الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام. تقوم المؤسسات الإعلامية بوضع خطط مبرمجة الهدف منها إحداث تأثير معين في مسار صناعة السياسة العامة بما يتفق وهذه السياسات وتحليلها بأسلوب علمي وموضوعي منظم يعتمد على استعمال المنطق وتوقع درجة نجاحها ومحاولة الاستفادة من التجارب المتشابهة إقليمياً ودولياً للوصول إلى أفضل الصيغ لاختيار سياسة عامة مناسبة إضافة إلى تنظيم استطلاعات الرأي العام وتوزيع الاستبيانات ونشر نتائجها بكل شفافية وإجراء دراسات لتحليل تلك النتائج والاستعانة بمراكز البحوث والمكاتب الاستشارية وأساتذة الجامعات والمختصين لمعرفة جدوى القوانين التي تم تشريعها وأين وصلت مراحل تنفيذها ،فتكون المؤسسات الإعلامية بدورها قوى داعمة لتلك القوانين أو دافعة لها ،وقد تكون معارضة وممانعة لها حين تضر بمصالح شرائح معينة في المجتمع ومحاولة التأثير فيها لتشريع قوانين بديلة تأخذ بنظر الاعتبار الأضرار التي نتجت عنها ومحاولة تلافيها في التشريع الجديد كما حدث مثلا مع قانون التقاعد الموحد رقم 27 لسنة 2006، كذلك تقوم المؤسسة الإعلامية بتنظيم الندوات وورش العمل للتعريف بمختلف القضايا التي تهم الرأي العام من اجل خلق وعي سياسي واقتصادي للفرد في المجتمع يستطيع من خلاله التعرف على حقوقه وواجباته.أما علاقة الحكومة بالمؤسسات الإعلامية فيجب أن يكون طابعها الحياد والمهنية لتأخذ دورها في رسم السياسة العامة وضمان تحقيق تكافؤ الفرص ومد جسور التواصل معها بغض النظر عن توجهاتها السياسية وعدم تفضيل مؤسسة على أخرى، بما يضمن استقلالية الإعلام وقدرته على إحداث تأثير إيجابي على آراء ومعلومات وسلوكيات المجتمع التي تتفق مع هذه السياسات وأهدافها العامة.rnملاحظة: عن دراسة أعددتها للوكالة الأميركية للتنمية الدولية
الإعلام.. ودوره في رسم السياسة العامة!
نشر في: 28 سبتمبر, 2012: 05:42 م