(2 ـ 3)د.يحيى الكبيسيقلنا في المقال السابق إنه وعلى الرغم من أن لحظة 9 نيسان 2003 كانت لحظة تحول دراماتيكي في تاريخ العراق الحديث، إلا أن التغيير ظل في إطار التغيير الآيديولوجي المحض، من دون أي تحول معرفي. فقد ظلت مناهج التعليم تعاني اضطرابا حادا في الفلسفة التي تقوم عليها بشكل عام
rn من جهة، ومن عدم وضوح السياسات التعليمية من جهة أخرى. فضلا عن هيمنة غير مسبوقة لسياسات الصراع عليها.rnولعل الملاحظة الأكثر خطورة في ما يتعلق بمناهج التعليم تتمثل في التنازع بين المدونتين السنية والشيعية لرواية التاريخ الإسلامي، فقد كانت المدونة السنية تحكم مناهج التعليم منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة. ولكن التحولات التي حكمت العراق بعد 2003 أدت إلى محاولة إزاحة هذه المدونة جزئيا وإبدالها بالمدونة الشيعية، ولكن أيضا من دون أية فلسفة واضحة. والمثال الأبرز على هذا انعكاس الاختلاف المذهبي لشخص وزير التربية على مناهج التعليم! ففي ظل الوزير السابق المنتمي إلى المذهب الشيعي، كانت اللاحقة بصيغة الدعاء التي تلي اسم الرسول محمد هي: "صلى الله عليه وآله وسلم"، التي تم تغييرها عند مجيء الوزير الحالي المنتمي إلى المذهب السني إلى "صلى الله عليه وآله وصحبه". وهي صيغة ملتبسة، ففضلا عن أن طريقة رسم هذه اللاحقة تجعلها غير قابلة للقراءة بشكل واضح، وهي آلية متعمدة من أجل منح المعلمين والطلاب حرية قراءتها بالطريقة التي تتفق مع انتماءاتهم! فإن الأمر بالصلاة والتسليم على الرسول جاءت في نص قرآني صريح في سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى: ""إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (الأحزاب 56). أي أن واضعي المنهج اجتهدوا في حل الإشكال المذهبي من دون العودة إلى الأصول، بل في مخالفة صريحة لها كما في مسألة عدم التسليم. وكانت المناهج الدراسية في العراق تستخدم صيغة "صلى الله عليه وسلم" لهذه اللاحقة، وهي صيغة تلتزم بالنص القرآني من جهة، ولا يمكن الاختلاف عليها من جهة ثانية. وهي الصيغة الشائعة في الكتابات العربية والإسلامية.rnوقد بدا واضحا أن عملية الإبدال الجزئي هذه، عملية منهجية هذه المرة، وأنها تعتمد التدرج في ذلك، من خلال "التنقيحات" بما يجعلنا أمام نص مختلف سنويا. مثال على ذلك، تغيير الفقرة الآتية : "الخلفاء الراشدون: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان (رضي الله عنهم) والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهم من الصحابة الأوائل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته وجهاده من أجل الإسلام ووضع أسس الدولة العربية الإسلامية" (الثاني متوسط، طبعة 2009، ص 34). لتكون: "الخلفاء الراشدون: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان (رضي الله عنهم) والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والإمام الحسن بن علي (عليه السلام) وهم من الصحابة الأوائل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته وجهاده من أجل الإسلام ووضع أسس الدولة العربية الإسلامية" (طبعة 2011، ص 34). أي أنه تم وضع اسم الحسن بن علي كخليفة خامس من دون تغيير التوصيف اللاحق، فقد ولد الحسن بن علي في السنة الثالثة للهجرة، ولم يتجاوز عمره 10 سنوات عند وفاة الرسول ص، ومن ثم لا يمكن أن يوصف بأنه من الصحابة الأوائل في دعوته وجهاده الذي لا ينطبق عليه بأي حال من الأحوال.rnوقد أدت هذه المنهجية إلى وقوع تناقضات في المعلومات بين موضوع آخر في الكتب نفسها، فقد تم تغيير المعلومات المتعلقة بأول من آمن بالرسول تبعا للمدونة الشيعية "المستحدثة"، في كتاب التاريخ الإسلامي للصف الخامس الابتدائي بين طبعتي 2009 و2011. فعند الحديث عن الخلفاء الراشدين ورد التعريف بأبي بكر الصديق كالآتي: "أبو بكر الصديق (رضي الله عنه): "سماه الرسول بالصديق لأنه أول من صدق برسالة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبحديث الإسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..." (طبعة 2009، ص 35)، ولكن النص تغير ليصبح: "أبو بكر الصديق (رضي الله عنه): "سماه الرسول بالصديق لأنه أول من صدق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحديث الإسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..." (طبعة 2011، ص 35)، أي بحذف مفردة "الرسالة" التي غيرت المعنى بالكامل. في موازاة هذا كان تعريف علي بن أبي طالب في الطبعتين يرد كالآتي: "أول من آمن بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)...". أي أن الكتاب في طبعة العام 2009 كان يقدم معلومتين متناقضتين حول أول من آمن بالرسول الكريم، وهو ما تم تداركه في طبعة العام 2011. rnعلى المستوى الآيديولوجي ما زالت مناهج التاريخ الحديث والمعاصر تعاني هيمنة الآيديولوجيا القومية بشكل كامل، على الرغم من محاولات "الإبدال" القائمة. وقد انعكس هذا الاضطراب في التنازع الذي يظهر بين مصطلحي "الأمة العربية" و "الأمة الإسلامية"في الكتب المد
مناهج التعليم وسياسيات الصراع
نشر في: 29 سبتمبر, 2012: 07:21 م