د. مظهر محمد صالح تؤشر بواكير الفكر الاقتصادي للتنمية أن ثروة الأمم تقاس بعناصر ثلاثة أولهما: رأس المال البشري والاستثمار فيه وتنشئته، أما العنصر الثاني فيتمثل برأس المال الاجتماعي الثابت social overhead capital الذي ينقسم إلى: رأسمال اقتصادي أو ما يسمى بالبنية التحتية المادية التي قوامها شبكات الطرق
rn والكهرباء والاتصالات وغيرها. وينصرف الجزء الآخر من تلك البنى التحتية إلى ما يسمى برأس المال الاجتماعي ويقصد بـه المؤسسات القانونية والصحية والتعليمية والمصرفية وغيرها، فضلاً عن التكوين الرأسمالي المادي الثابت المتعلق بنشاطات الإنتاج المباشر من السلع والخدمات كالمصانع وغيرها. في حين ينصرف العنصر الثالث في مقاييس الثروة إلى الموارد الطبيعية ومخزوناتها التي تقدر في العراق وبقيمة حاضرة صافية ربما تزيد على 12 تريليون دولار بفضل احتياطيات الثروة النفطية الكامنة وغير المستغلة والثروات المادية الأخرى، وهي تزيد بمرتين على استراليا لو حَسُنَ استثمارها حقاً، في حين تبلغ تلك الثروة في الولايات المتحدة بحوالي 118 تريليون دولار .rnففي الوقت الذي يزخر فيه العراق في العنصر الثالث ، فانه يفتقر نسبيا الى العنصرين الآخرين للثروة ولاسيما تدهور رأس المال الاقتصادي الثابت أو البنية التحتية المادية والدمار الحاصل فيهما *. rnوان حصة الفرد في تلك البنى التحتية المادية في الوقت الحاضر ربما لا تزيد على خُمس حصة الفرد نفسه في تلك البنى المادية عشية اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية عندما قُدرت كلفة البنية التحتية آنذاك بحوالي 35 مليار دولار، وان إعادتها نفسها في ضوء التطورات الديموغرافية الراهنة، حيث يبلغ سكان العراق في الوقت الحاضر 34 مليون نسمة، لذا فإن النقص الحاصل في تلك البنى يتطلب استثمار مبالغ لا تقل عن 250 مليار دولار .rn rnواللافت للنظر، أن معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي الراهنة الموجبة لا يمكنها أن تعوض معدلات النمو السالبة في تراكم الثروة الوطنية المادية ما لم تتوافر تراكمات مالية قوية وتحت أي مستوى مطلوب في تعجيل وتائر إعادة التأهيل وبناء رأس المال الاجتماعي الثابت في العراق، لان تدفق الدخل الوطني flow الناجم عن الاستثمار في الموارد الطبيعية ما زال يقابله نمو سالب في الخزين الثابت للثروة. rn rnالرأسمالية المادية marginal negative stock وتدني الاستثمار فيه rn rnإن مثل هذا الوضع قـد ادخل البلاد في معادلة تمويلية صعبة تدفع بـه للجوء إلى التمويل من السوق الدولية تحت أشكال مختلفة يتطلبها مشروع قانون البنى التحتية وعلى رأسها ما يسمى بالدفع الآجل deferred payment، والذي يعني التأخير المتعمد في الدفع للجهات الدائنة سواء عند الشراء أو الاقتراض أو غيره . وبغية حل تلك المعادلة التمويلية الصعبة ، فانه ينبغي التعرف على مقياس الرافعة المالية للعراق أو طاقة الدين العام والتي تمثل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي كمقياس لتلك الرافعة، وان العبرة من ذلك توفير معيار لبيان القدرة على إدامة الدين أي تحمل الدين دون أن يؤثر على صحة او سلامة النمو الاقتصادي في البـلاد . والذي يطلق عليه تحليل تحمّل طاقة الدين debt sustainability analysis – DSA ويمثل القدرة على خدمة الدين ومواجهة التزامات دون ان يؤثر على صحة وسلامة النمو الاقتصادي او الحاجة إلى إعادة جدولة الدين او تراكم المتأخرات التي تعيق النمو الاقتصادي . فالمقياس المعتمد لدى المؤسسات المالية الدولية المتعددة الاطــــراف فــــي تحليل تحمّل طاقة الدين DSA تؤشر انـه عندما يكون البلد المدين محتفظا بالقيمة الحالية الصافيـــة للديـــن NPV ( اي العائد المتوقع عن الاستثمار بالدين مخصوم بسعر الفائدة يساوي كلفة الدين نفسه او اكبر منه ) فانه ينبغي توافر النسب الآتية التي تعبر عن السقوف القصوى للسلامة الاقتصادية : rn60% دين عام / الناتج المحلي الإجمالي rn150% دين عام / صادرات البلاد rn250% دين عام / إيرادات البلاد من العملة الأجنبية rnشريطة أن يكون نمو الدين السنوي بنسبة لا تتعدى 3% من الناتج المحلي الإجمالي لضمان اقتصاد مولّد للنمو والفائض الاقتصادي. rnوعند النظر إلى وضع العراق، فيمكن القول أن العراق عموماً ما زال في مستوى آمن وما زال يتمتع بنسب معيارية قدرها 35% و57% و65% على التوالي وفقا لما هو مؤشر في أعلاه، ما تسوغ قدرته على التمويل عن طريق السوق الدولية وفق أساليب التمويل المختلفة بما فيها الدفع الآجل. rnواستنادا إلى اتفاقية نادي باريس الموقعة فـي 21/ تشرين الثاني/2004 التي تـم بموجبها خصم 80% من ديون حكومة جمهورية العراق التي قدرت في وقتها بحوالي 125 مليار دولار، فإن صافي تلك المديونية الخارجية والمتبقي من تعويضات حرب الكويت والدين العام الداخلي والتي يقدر عبؤها أو مجموعها في الوقت الحاضر بحوالي 50 مليار دولار ( موزعة بواقع 10 مليار دولار تعويضات حرب الكويت وهي من أصل 53 مليار دولار وحوالي 30 مليار دول
جدلية البنية التحتية في العراق.. التمويل والضمانات
نشر في: 29 سبتمبر, 2012: 07:31 م