احمد المهنافي يوم واحد يفر عشرات المحكومين بالإعدام من السجن في تكريت ويُقتل محافظ سابق في البصرة. وكل المؤشرات تدل على أن السياسات في جميع المجالات من النوع الذي يزيد ولا يقلل من عدم الاستقرار. ما يعني أن البلد، ببساطة، في أزمة عامة.
ومع ذلك فان الطبقة السياسية تبدو خاملة، هامدة، وبكلمة واحدة ميتة. فلا توجد لديها حركة في الفكر ولا حركة في العمل. الرأس فارغة والقدم مكانك راوح. لم يستطع أحد من أشخاصها أو قواها أن يقدم تشخيصا مقبولا أو واضحا لماهية هذه الأزمة، أو الأسباب الصانعة لها أو المؤدية إليها.لماذا تتأخر تسمية الوزراء الأمنيين؟ من المسؤول عن العنف المتواصل؟ لماذا يستمر تدهور الخدمات؟ لماذا تستمر معادلة الدولة الغنية والشعب الفقير؟ لماذا تتآكل بصورة متواصلة هيبة القضاء ويتكبل استقلاله بالقيود؟ كيف تجرد البرلمان من القدرة على المراقبة والمحاسبة؟ وكيف يحلل هذا البرلمان خبزته، وهي الأغلى في العالم، مع عطالته؟ ما معنى الكلمات والأموال الكثيرة التي انفقت على المصالحة الوطنية دون جدوى؟ لماذا تتعمق أزمة الثقة بين الكتل السياسية؟ وكيف انفصلت هذه الكتل انفصالا كاملا عن الناس؟ هل تأمل سياسي في الحكومة أو في البرلمان أو في "الصبات" السياسية بهذه الأسئلة؟ كم من الوقت ينفق للتفكير فيها؟ هل يجد احد منهم نفسه معنيا بها اصلا أم أنه خدران بحشري مع المناصب والأموال عيد؟ ما اسباب كل هذا العمى أو النوم في العسل؟ هل ارتهنت مغانمهم باستمرار فشل الدولة؟ وهل عرف التاريخ القديم أو الحديث ساسة على هذه الدرجة من سوء الضمير؟ من دون أجوبة على هذه التساؤلات لن نتقدم خطوة. هذا مرض. والعلاج يبدأ من تشخيص المرض. ومن دون التشخيص والوصفة ليس أمامنا شيء غير انعدام الأفق السياسي. خلال أعوام الحصار والدكتاتورية كان هناك أيضا انعدام للأفق السياسي. مع الدكتاتورية يكون ذلك مفهوما. لكن كيف يغيب الأفق أو تموت السياسة مع وجود دستور دائم و325 نائبا وحكومة لكل "صبة" فيها حصة و15 جماعة وحزبا وآلاف الحزبيين؟ان وجه الشبه بين الأمس واليوم ليس مقصورا على انعدام الأفق والانفصال بين الساسة والناس . فهناك ايضا شبح محاولة جر "الديمقراطية الفتية" الى سيرة الحزب الوالد. وكان الزمان يسمح بحزب نائب عن الأمة، فلجنة مركزية نائبة عن الحزب، ثم مكتب سياسي نائب عن اللجنة المركزية، وصولا الى أمين عام نائب عن الكل أو زعيم واحد هو الكل في الكل.أما مع هذا الزمان فان طريق الانفراد بالسلطة أمام رجل "دولة القانون" اليوم، أو خليفته غدا، لها أول وليس لها آخر. فهذه مسيرة صراع طويلة تبدأ مع الحليف القريب، فاذا بلعه، وهذا صعب، صار ممثلا للطائفة. ثم عليه تفتيت الكتلة السنية لاحتوائها، وهذا أصعب. واذا نجح في كل ذلك فان الأمل بإخضاع الكرد عشم ابليس في الجنة. المحاولة كلها عابثة. ولكن هذه هي مصيبة العقل المتوفر في الساحة. ليس لديه خيال أبعد من وضع القوات المسلحة والثروة تحت اليد لوضع الجميع تحت اليد. الزمن غير لكن العقل هو نفسه. التغير في البلاد والاقليم والعالم عامل ممانعة يجعل إعادة انتاج الدكتاتورية محاولة مستحيلة. لكن المحاولة الدائبة، والمفسدة الساكنة، تنجحان في تعزيز دولة الفشل، حيث كل يوم يفر قاتل، ويعتقل بريء، ويُغتال محافظ، وتُعَسْكَر مدن، ويمنع التجول في ضوء القمر، وتقطع الطرق في وضح النهار، وجيب ليل.. واخذ عتابهّ!
أحاديث شفوية: ماذا يفعل الساسة؟
نشر في: 29 سبتمبر, 2012: 10:07 م