د. معتز محي عبد الحميدالجانب النفسي في العلاج الطبي له أهمية كبيرة أدركها الأطباء القدماء والمعاصرون، وتقوية إرادة المريض وتشجيعه على البرء عاملان مهمان، وقد نوه بذلك الطبيب (الرازي): «يجب على الطبيب أن يواسي ويشجع المريض حتى إن كان مشرفا على الموت، لأن قوة الإنسان مستمدة من روحه المعنوية»
كما ينسب إليه أيضاً: «إذا ما عالجت مريضاً فابدأ بتقوية حيويته وحالته العقلية، لأنك إن فعلت سهل عليك الباقي».وقد أبدى العلماء الضالعون في الطب والجراحة ملاحظات تدل على أثر إرادة المريض في شفائه حتى من أمراض قاتلة وفتاكة مثل الأورام الخبيثة، بل إن بعضهم استخدم هذه الوسيلة فعلاً ولهم مؤلفات معروفة حول تجاربهم الناجحة.المشعوذون يفعلون ذلك ولكن بأسلوب ينسجم مع ثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه. عوضاً عن تعليق الشفاء بإرادة المريض والعمل على تقويتها بشكل مباشر، يستغلون إيمان المريض وعقيدته في العين والسحر والجن والشياطين وما إليها، فيوهمونه بأنهم يعالجونه بواسطة السحر من خلال طقوس وخزعبلات يطلبون منه ممارستها بشكل يومي ومستمر. كل ذلك يقوي إرادة المريض في البرء دون أن يشعر؛ من خلال إيمانه بتلك الخزعبلات، ويعتبر مثالاً واقعياً حول استخدام الوهم في تقوية الإرادة على الشفاء؛ وفي أحوال كثيرة يتم الشفاء فعلاً.ومن الأمور المعروفة طبياً عند تجربة نوع جديد من الدواء على المتطوعين من المرضى محاولة إلغاء تأثير الإيحاء أو الوهم، عن طريق إعطاء نصف المتطوعين الدواء الجديد ونصفهم الآخر دواء وهمي عبارة عن أقراص من مادة غير فعّالة مصنوعة على نفس هيئة ولون أقراص الدواء بدون أن يعلم المتطوعون، ثم يختبر الفرق في التأثير بين المجموعتين، وقد لوحظ أن نسبة لا بأس بها من الذين يتناولون الأقراص الوهمية تحدث لديهم تأثيرات مشابهة للتأثير المطلوب من الدواء الحقيقي. ولا يعتمد أي دواء جديد إلاّ إذا تفوق تأثيره العلاجي على تأثير الدواء الوهمي.لا يُستغرب أن ينجح المشعوذون في علاج بعض المشاكل الصحية عن طريق الإيحاء. وكلما كانت عقيدة المريض قوية في التصديق بالسحر والشعوذة كلما كان شفاؤه أسهل، أما أولئك المرضى الذين لا يؤمنون بالشعوذة والخزعبلات فلن تجدي معهم هذه الطرق نفعاً مهما تكررت.ومن الحالات الطبية المعروفة التي هي في الواقع أمراض جسدية لها سبب هستيري أو نفساني: الحمل الكاذب والعمى الهستيري. فقد تصاب امرأة عقيم بتوقف الحيض وتنتفخ بطنها بسب قوة الإيحاء عندما تخشى تبعات عدم الحمل من طلاق وغيره. وقد يفقد إنسان الإبصار بشكل مفاجئ نتيجة صدمة نفسية معينة، ثم يعود إليه البصر تلقائياً.ويلجأ المشعوذون عادة إلى أساليب بارعة جداً في الدعاية لأنفسهم وإيهام الأشخاص بقدراتهم الخارقة؛ كأن يفاجئوا مرضاهم بمعلومات دقيقة عنهم يكونون قد توصلوا إليها مسبقاً عن طريق التجسس من خلال جنود وأعوان من البشر يوظفونهم للحصول على المعلومات التي من شأنها أن تبهر المترددين عليهم. مثال ذلك إخبار المريض باسم أمه أو عدد أبنائه أو تفاصيل المشكلة التي جاء من أجلها، فلا يكون أمام المريض إلا أن يؤمن بقدراتهم غير الطبيعية ويُسلّم بخواصهم الخارقة.وللأسف فإن كثيراً من الأطباء - على نقيض المشعوذين - لا يكترثون لإظهار الاهتمام بالمريض ولا بالعوامل الثانوية التي من شأنها أن تترك انطباعاً طيباً لديه. بل إن بعضهم لا يهتم حتى بفحص المريض فحصاً جيداً، ناهيك عن سؤاله عن مرضه بالتفصيل، أو الظهور أمامه بمظهر الطبيب الحاذق، فيخرج المريض من عيادة الطبيب وهو غير راض عن طريقته في السؤال أو الفحص أو إخباره عن طبيعة مرضه أو شرح طريقة تناول الدواء. لذلك لن يؤتي الدواء مفعوله، ويستغرب الطبيب؛ وهو في الحقيقة الذي تسبب في ذلك، لأنه لم يعط انطباعاً جيداً ومقنعاً عن نفسه للمريض، أو والدي المريض إن كان طفلا .
تحت المجهر: أطباء.. ومشعوذون
نشر في: 30 سبتمبر, 2012: 06:53 م