عواد ناصرالثورة الإلكترونية التي شملت الجميع، حتى الثوريين منّا، وضعتنا عند سؤال الكتابة والكتاب والورق ورائحة الكلمات وهي تنام على الرف أو قريباً من وسائدنا وطاولات طعامنا، بل في ذاكرتنا التي كوّناها وكونتنا، كتاباً وقراء.
rnظاهرة الكتاب الإلكتروني بدأت تتحدى تلك الذاكرة المفعمة بالورق المهمش والمؤشر عليه بأقلام رخيصة أو ثمينة، لكنها تمثل كتابة على الكتابة، وتعبّر عن "شخصية" القارئ وهو يدخل في حوار مجدٍ، بل معقد مع المؤلف.rnالظاهرة تتسع رغماً عنا، خصوصاً نحن المقيمين في مدن أوروبية، أو أمريكية، حيث تنتشر الظاهرة بشكل لافت للانتباه حيثما نلتفت لنرمق ذاك الشخص، أو "الشخصة" التي تجلس إلى جوارنا في الباص أو المترو أو المقهى وهما يقلبان مكتبتهما الإلكترونية المحمولة في جهاز الـ (IBook) خاصتهما بلمسة ناعمة، نرمق تلك الظاهرة بخليط من الحذر والتوجس والحسد والإعجاب والإنكار.rnمن ناحيتي، قارئاً وكاتباً، مؤمنا بالتطور وعاملاً من أجله أدرك أن جديد الحياة يقابل بالتحفظ، دائماً، لكنني مع الجديد، أبداً. أما مع ظاهرة هذه المكتبة الإلكترونية التي يمكنها خزن آلاف الكتب في جهاز لا يتجاوز كثيراً حجم كتاب من القطع المتوسط بمئتي صفحة (ثمة حجوم متعددة طبعا) فأنا سعيد بتسهيلات التكنولوجيا للبشرية وجعلهم يحملون معهم مكتباتهم الشخصية معهم أينما كانوا، ليس هذا حسب، فشاشة الجهاز لا تشبه شاشة الكومبيوتر التي تتأثر بالضوء والشمس خارج بيوتنا، بل يمكن لحامل الجهاز أن يقرأ تحت شمس عمودية باهظة الضوء مثل شمس بغداد، من دون أن يتأثر!rnجملة التسهيلات التكنولوجية التي خلقتها عقول جبارة ليست خدمة بريئة ومجانية، بالطبع، جعل الحياة البشرية أسهل وأكثر متعة. إنما ثمة شراهة ربحية مسعورة وراء كل تفصيل تكنولوجي/ إلكتروني جديد يكاد يطرح يومياً على مدار الساعة، إلى الحد الذي يمكن لنا اللحاق به: كل يوم تفصيل الكتروني جديد عليك (شراؤه!) لتكتمل مجموعتك البرامجية، فحاسوب من دون برامج لا يعدو كونه خزانة فارغة.rnهل أنا ضد الكتاب الإلكتروني أم معه؟rnأنا ضد ومع، في آن. rnضده لأنه سلبني ذاكرة كتبي الملونة، العاقبة بتلك الرائحة والملمس الأخوي والهامش الخالي الذي يعينني على الحوار مع المؤلف وأفكاره، وباختصار: سلبني تقاليد قرائية أمضيت معها وفيها وعبرها جلّ حياتي، ومثلي الملايين من البشر.rnلكنني معه لأنه لن يدفعني، مكرهاً، للتخلي عن مكتبتي كلما غادرت بلداً إلى غيره، وفق إجبارات المنفي أو المغترب أو المهاجر.rnالجهاز الجدي، بحجم كتاب عادي يتيح لك جمع مكتباتك كلها من كتبك المدرسية الأولى حتى روايات دان براون.rnكتاب عالميون، مثلنا "لم يريدوا" الاعتراف بـ"جديد الكتب والمكتبات" مهما كانوا على غاية التجديد والإيمان به وتمجيده.rnراي برادبري الذي رحل قبل أيام عن عالمنا "قاوم" طيلة حياته فكرة الكتاب الإلكتروني لكنه أذعن أخيراً واستسلم ووافق على طبع كتبه ونشرها إلكترونياً.rnبرادبري الذي اشتهرت روايته (451 فهرنهايت) وهي درجة احتراق الكتب ضمنها رعبه من عالم متخيل سيكون بلا كتب ولا مكتبات.rnأما الروائي الحائز على جائزة بوليتزر للآداب ريتشارد روسو فقد رفض السماح بنشر روايته الجديدة وبيعها في صيغة كتاب الكتروني.*rnوقال الروائي البالغ من العمر 62 عاما إن عمله الجديد "تدخلات" هو "تحية ثناء إلى الكتاب المطبوع".rnلكن هل هي تحية استقبال أم وداع؟rnوأوضح "لقد شكل النمو المطرد في صناعة الكتب الالكترونية وازدهار مبيعاتها على الاونلاين تهديداً للمكتبات، ولصناعة الكتاب ولظهور كتاب جديد".rn________________ rnموقع BBCrn
حرف علّة :ضد الكتاب الإلكتروني
نشر في: 1 أكتوبر, 2012: 06:06 م