TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > المثقف والمصالحة

المثقف والمصالحة

نشر في: 2 أكتوبر, 2012: 06:58 م

علي حسين عبيديحتاج العراقيون للمصالحة فعلا، لتعجيل التئام مآسي الماضي، وهي كثيرة وعسيرة، ولكن ليس هناك مخرج آخر للعراقيين لكي يعيشوا بسلام، سوى أن يتصالحوا مع بعضهم، كما فعلت شعوب أخرى سبقتهم في هذه التجربة، مثل إفريقيا الجنوبية ورمزها الإنساني الكبير نلسن مانديلا، ودوره العظيم في تخليص شعبه من محنة التشرذم والضغينة والاقتتال تحت ضغط الماضي، فيما كان للثقافة وحضور مانديلا دور أساسي في خلق الفرص الملائمة للصلح.
وفي السؤال عن دور المثقف في المصالحة، فإننا نتفق على ضمور هذا الدور أو ضعفه، ولا يتحمل المثقف العراقي الأسباب كلها في هذا الجانب، بل هناك مسؤولية أكبر تقع على صانع القرار السياسي الذي أسهم بعزل المثقف، وتعويق دوره في التقريب بين مكونات الشعب العراقي وتذويب مكامن الخلاف المؤدي إلى الاحتراب، والصراع بين مكونات الشعب، كما حدث في سنوات المحنة (2005-2007)، حيث كانت الطائفية في أوج حضورها وخطرها. وقد عُقِد مؤخرا مؤتمر تحت مسمّى (المثقف والمصالحة) رعته الحكومة العراقية، وحضره  رئيس الوزراء نوري المالكي، وقال فيه (إن العراق حقق نجاحاً في مجال المصالحة الوطنية في مقطع زمني حساس، وما يشعرنا بالفخر والاعتزاز هو تلاحم أبناء الشعب واحتواء الهجمة التي تعرض لها البلد وبدء مرحلة رد الفعل من خلال عملية البناء على أسس علمية وموضوعية). ونقل البيان دعوة المالكي للمثقف العراقي  إلى أن يكون حاضرا وفاعلا من خلال قلمه وجريدته وأبحاثه (للمساهمة في المصالحة ومنع عودة التطرف والعنف)، مشيرا إلى أن مسؤولية الدولة والمثقف (هو التأسيس لثقافة مستدامة وإشاعة ثقافة الالتقاء مع الآخر). ودعا المالكي المثقف العراقي إلى أن (يأخذ دوره الحقيقي في القيام بعكس الصورة الصحيحة للثقافة على جميع مواقع الحياة، والمساهمة في عملية إصلاح الواقع الاجتماعي)، وهذه الدعوة كما تبدو من مضامينها مهمة جدا، وهي تؤكد الأهمية المشتركة بين المثقفين والحكومة و وزارة الثقافة، لكي يتاح للمثقف العراقي أن يقوم بدوره المؤثر فعلا، في الإسهام بتحقيق قفزات نوعية تنقل المجتمع العراقي إلى ثقافة سلوكية متمدّنة.ولكن سيبقى الأمر معلّقا بما ستبادر به الجهات الرسمية بخصوص تفعيل دور الثقافة والمثقف، لأن الكلام وحده لا يصنع بنية ثقافية قادرة على نشر المشتركات الإنسانية المطلوبة بين مكونات الشعب العراقي، ولا التمنيات قادرة أن تصنع شيئا، بل المبادرات العملية المخطط لها بعلمية وتخصص، ثم تنفيذها على الأرض بصيغ صحيحة ودقيقة، وقد قال بعض المثقفين والمعنيين إن هذه الخطوة (مؤتمر المثقف والمصالحة)، جاءت متأخرة، وإن مبادرة الحكومة العراقية هذه كان يجب أن تتقدم هذا التوقيت بكثير، ومع ذلك لتكن هي البداية الصحيحة للتقريب بين المثقف والسياسي (صانع القرار)، ولتكن هناك قرارات حكومية فعلية تصب في صالح البنية الثقافية على المستويين المادي والمعنوي، إذا كان خطاب رئيس الوزراء جيدا ودقيقا وصائبا، لكن تحويله إلى (أفعال وأعمال ملموسة) هو ما يجعله جيدا ودقيقا وصائبا.لذا على الحكومة والجهات المخوّلة أن تبادر فورا للنهوض الحقيقي بالبنية الثقافية، إذا كانت النيّات والإرادة السياسية صادقة في المساعدة على جعل الدور الثقافي للثقافة وللمثقف العراقي متاحا، للإسهام في نشر قيم التصالح والإخاء والتسامح بين العراقيين. وهكذا فإن الكرة ستبقى دائما في ملعب الحكومة، ترقّبا لما ستقوم به من خطوات تدعم الثقافة والمثقف على الأرض. ولعل من حسنات مؤتمر (المثقف والمصالحة) أنه أفرز عددا من الخطوات الجادة، منها ما تم الاتفاق عليه بين وفدي النجف والأنبار أثناء المؤتمر، إذ جاء في بيان أصدره مثقفو النجف والأنبار في مؤتمر المصالحة: (إن إعادة إعمار قطاعَي التربية والتعليم في العراق لن يكتب له النجاح الحقيقي ما لم تتم الاستعانة بالمثقفين أفراداً ومؤسسات، وبخاصة الذين من خارج السلك الحكوميّ، وإشراكهم في هذا الإعمار، لما للمثقف من دربة ودراية وخبرة في مجال كتابة النصوص التي تخاطب نوعيات خاصة من الجمهور، كالأطفال واليافعين والشباب، كما إن للمثقف تدرّباً روحياً معتاداً على تقبل الآراء المخالفة وأساليب المحاججة والردود المنطقية، وهو ما يجعلهم مؤهلين لصياغة المفاهيم المشتركة وكتابة قصص التاريخ الإسلامي في برامج التربية والتعليم، بصورة تجنبها أن تكون محطَّ خلافٍ مبكر بين براعم المجتمع. نقول هذا كله مع التأكيد على أن المثقفين الذين نقصدهم  في المشاركة بهذا المشروع هم أولئك المثقفون الحقيقيون، لا الطارئون و الموتورون والمتعالون والمرتزقون)-البند الثاني من البيان-.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بغداد قد تتراجع عن قرار سحب القوات الأمريكية: عربون الصلح مع ترامب!

دعوات الإصلاح والتغيير تتصاعد.. هل تبدأ بغداد رحلة التعافي؟

10 آلاف عقد في الإقليم يواجهون "مصيراً مجهولاً"

فورين بوليسي: الإحصاء كشف عن ثروة أيدي عاملة في العراق

الوزارة توضح سبب زيادة انقطاع التيار

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram