احمد المهنابسبب تراكب الادوار وتداخلها، فان وظيفة "المثقف" في العراق، كما في سائر بلدان العالم النامي، لم تقتصر على انتاج الوعي، وانما جاوزته الى انتاج السياسة. فهو من روج الفكرة الشيوعية وأقام لها حزبا، ومن تأثر بالفكرة القومية وأنشأ لها البعث. والكلام نفسه ينطبق على تأسيس أحزاب الاسلام السياسي.
rnوقد كان الصراع بين هذه الأحزاب صراع أفكار، وهذا وجهه الثقافي، وكان صراعا على السلطة، وهذا وجهه السياسي. ولكن جاء صدام وفعل ما يقوم به كل حاكم شمولي، وهو امتصاص كل الأدوار، فغاب المثقف والسياسي والعسكري والشعب أو المجتمع المدني، وأصبحت الدولة شخصا واحدا. فالدولة هي شخص الحاكم في الأنظمة الشمولية.rnوهذا هو "الفراغ" الذي صنعه وخلَّفه صدام، وتكونت من مادته معظم قوى "العملية السياسية". وأول ما يلاحظ على هذه القوى هو ان المثقف، منتج الوعي الجمالي والفكري الحديث، غائب عنها. فهذه القوى تمثل عصبيات طائفية أو عشائرية، وبالتالي فهي اطارات اجتماعية بعيدة عن روحية واتجاهات المثقف الحديث، ومنظومات فكرية غريبة عليه، ولا يمكن أن يجد لنفسه مكانا فيها، الا اذا نزع عنه ثيابه والتحق بها لمصلحة فاسدة.rnولا تكمن محنة المثقف الحديث فقط في غياب مكانه أو ضياع مكانته في هذه "العملية السياسية"، وانما اساسا في غياب الفضاء الثقافي أو مجالات ووسائط الانتاج، من دور نشر أو وسائل اعلام حرة أو صناعة مسرح وسينما أو مراكز ابحاث او شركات انتاج درامي أو دور موسيقى وغناء. فهذه المجالات والوسائط تحتاج الى أموال، بينما المجتمع فقير، والنصيب الأعظم من الثروة بيد الحكومة والأحزاب المتنفذة. كما ان مصالح القلة القليلة من رجال الأعمال هي اما مرتبطة بالحكومة أو من صنائعها.rnان الثقافة صناعة وتجارة أيضا. وهذه الصناعة والتجارة اقرب الى العدم في عراق اليوم. وبذلك اصبح المثقف بلا سوق في التجارة، ولا سوق في السياسة. وان وجد له مجال ففي الأطراف أو التنفيذ البائس لانتاجات لا تمثله. وقد امتدت المطاردة من التجارة والسياسة الى متنفسات التسلية العامة، مع عمليات مداهمة النوادي والبارات واغلاق البعض منها. وهي دون المداهمة والاغلاق غدت كئيبة أصلا مع تسمم الأجواء بالعنف والعسكرة واستمرار حظر التجوال الليلي تسع سنوات متواصلة. rnواللذة لا مكان لها في الثكنة. اللذة قرينة الحرية وصنو الحقيقة. وهذا هو في الواقع معنى انحسار دور المثقف. ان معناه تراجع حيوية المجتمع نفسه، ودخوله في طور من السلبية والظلامية. حين زار سارتر القاهرة في الستينيات، ولاحظ كثرة الأمية، دعا المثقفين المصريين الى ترك كل شيء والعمل على محو الأمية. وهو قد لا يعني ذلك حرفيا، ولكنه كان يؤكد على وجوب التفات المثقف في المجتمعات المسكينة الى دور اجتماعي.rnوالأمية عندنا واحدة من سلسلة مشكلات كبيرة ومعقدة تفرض، في تقديري، على المثقف مواجهة هذا الواقع بأفكار جديدة ومبتدعة، بما في ذلك العمل على انتاج او تطوير سياسة جديدة. ان رايات الطوائف ترفرف فوق "العملية السياسية". والكثير من أطرافها أجير عند "دول الجوار". والشعب يتطلع الى السير وراء راية تعبر عن روحيته وأشواقه. وهذا ليس هدفا مستحيلا. وعلى رأي رائد من رواد الفكرة الوطنية فإنه "حين تدلهم الأمور وتتعقد، وتريدون أخذ القرار، انظروا الى القمم، انها بدون تعقيد".rnrn
أحاديث شفوية:دور سياسي للمثقف
نشر في: 2 أكتوبر, 2012: 09:44 م