TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس :البرهان العطوريّ

قرطاس :البرهان العطوريّ

نشر في: 3 أكتوبر, 2012: 06:46 م

 أحمد عبد الحسينفي العراق عملية ديمقراطية، قل ما شئت عنها ، وانتقدها كيفما أحببت، لكنّ لديمقراطيتنا ما للديمقراطية من سمات ومظاهر تبدأ بالانتخابات وتنتهي بالفصل بين التشريع والتنفيذ والقضاء ولو بأسيجة غير مرئية، مروراً بمنظمات المجتمع المدنيّ التي تلعب معها الحكومة لعبة القط والفأر، دون أن ننسى الإعلام الحرّ الذي له حكاية "يرويها مجنون وملؤها الصخب والعنف" كما قال شكسبير. فبعض إعلامنا أفسد حريته بيده، إما بمناهضته الحكومة مناهضة مدفوعة الثمن كما تفعل بعض الفضائيات الشهيرة غير البريئة، أو بجعل نفسه في جيب الحكومة كما تفعل فضائيات وصحف شبه رسمية، يسعى مديروها لأن يجعلوها رسمية بالقوة، قوة المال طبعاً.
rn القول إن عندنا ديمقراطية. صحيح أنْ لا أحد يحسدنا عليها فهي تمارَس في جوّ مشحون بأحقاد الساسة المستمدّ بعضها من أحقاد طائفية وبعضها من أحقاد شخصية وبعضها الآخر من أحقاد تقليدية تحدث دائماً بين أصحاب المال.rnعندنا ديمقراطية، لكنّ أحداثاً كثيرة منذ التغيير وحتى اليوم كانت خرقاً للديمقراطية، تصرفات حكومية من قبل رئيس الحكومة أو أعضائها كانت مناقضة تماماً للديمقراطية جوهراً وأعراضاً، كما أن أغلب الكتل السياسية إن لم يكن كلها أتتْ بأفعالٍ ليس بينها والديمقراطية سبب ولا نسب.rnلا يكاد يمرّ يوم دون أن نسمع من سياسيّ قوله "إن هذا الكلام أو الفعل مناقض للديمقراطية"، أو "أن هذا التصرّف خروج على العملية الديمقراطية".rnبهذا كنا نتناقش أمس أنا والزميل قيس العجرش، ونبهني إلى فكرةٍ لم يتنبه إليها أحد على حد علمي، مفادها أننا لم نضع للآن حدوداً واضحة المعالم بين ما هو ديمقراطي وما هو ليس بذلك. وهذه الخروقات "الديمقراطية" التي نراها عياناًَ ويعترف بها الساسة؛  متى وفي أيّ وضع يمكن أن تجعل من العملية غير ديمقراطية برمتها؟، أين تكفّ الديمقراطية عن أن تكون كذلك بسبب تراكم الخروقات؟، هل هناك حدّ معين نستطيع أن نقول عنده إن الخروقات صارت هي السائدة بحيث خنقت الديمقراطية وقتلتها؟، وما البرزخ الذي إذا تجاوزناه دخلنا في الديكتاتورية أو الثيوقراطية أو أيّ نظام آخر مناقض للديمقراطية؟rnضرب قيس مثلاً: لدينا قنينتا ماء وعطر، إذا أضفنا للعطر ماء فسيغدو أخفّ، وإذا ظللنا نضيف إليه الماء فسيغدو ماء معطّراً "أو ماء مضافاً بتعبير الرسائل الفقهية"، فإذا تمادينا في صبّ الماء فسيغدو محتوى قنينة العطر ماءً قراحاً "بتعبير فقهي أيضاً"، سيصبح لدينا قنينة مكتوب عليها "عطر" وفيها ماء.rnمن يريد أن يشتري قنينة عطرٍ جميلة ومكتوب على غلافها اسم نوع عطر فاخر لكنْ ليس فيها إلا الماء؟rnمن يريد ديمقراطية نتكلم عنها كثيراً ونتغنى بها لكنها تخرق كلّ يوم من قبل رئيس الحكومة ووزراء ونواب موالين ومعارضين ومن قبل إعلاميين وقضاة ومنظمات مجتمع مدنيّ؟rnبالبرهان العطوريّ الذي قاله زميلي قيس ، لا ديمقراطية لدينا ولا عطر، لدينا جثة الديمقراطية الميتة التي نريد أن نخفي رائحتها التي فاحت برشّ عطورنا عليها وها قد نفدتْ العطور لدينا وفاحت الرائحة.rnهنيئاً للمصابين بالزكام لأنهم لا يشمون ما يشم الأصحاء!rn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram