لينا مظلوم*حرية التعبير و الرأي عادت تملأ سماء المنطقة العربية بحكم أحداث متوالية أعادت فكرة المواجهة بين الغرب و الإسلام في توقيت بالغ الحساسية و التعقيد..من جهة الشعوب العربية تغمرها حالة تمرد و غضب عام من حُكام جثمت على أنفاسها عشرات السنين حتى أصابوا مفاصل دولهم بالترهل و الوهن ..شعوب أعصابها أسلاك كهرباء مكشوفة جاهزة للاحتراق والانفجار نتيجة أبسط لمسة ..شعوب تعرضت للخداع
rn و التضليل ممن وثقوا بهم وأعطوهم -قبل أصواتهم الانتخابية-دماء بريئة اُريقت في سبيل الحرية..سواء في العراق,مصر,ليبيا,تونس.. و الدماء مازالت تجري في سوريا ,بينما ينتظر قادة تياراتها الإسلامية في فنادق قبرص و اليونان في تربص لحظة الانقضاض لسرقة الثورة السورية بعد أن يُكتب لها النجاح كما حدث مع الثورات العربية..rnفي هذا التوقيت المواكب لتفجيرات 11 أيلول في أميركا ظهرت لقطات فيديو تافهة تسيء للدين الإسلامي..تكمن خطورتها في أنها تمس"عصبا" جماعيا أو حالة وجدانية تجمع شعوب دول الشرق ..و هي خصوصية الدين..مما أدى إلى انفجار ردود الأفعال العنيفة و الغوغائية بين شعوب مُعبأة و مُعدّة للانفجار . .تبعها نشر جريدة فرنسية رسوما مسيئة للنبي محمد, لتزيد النار اشتعالا.rnوسط هذه المواجهة بين مبدأ حرية التعبير الذي يتبناه الغرب, و الحساسية العربية المفرطة من استباحة المقدسات الإسلامية .. اتفقت ردود الأفعال الصادرة عن الغرب على أن الاقتراب من المنع و مصادرة الحريات هي خطوط حمراء.. لكن هل الحال فعلا كذلك؟rnفي لقاء أجرته معي إذاعة صوت العرب ذكرت أن صُناع القرار السياسي الأميركي هم أول من مارس اللعب على الوتر الديني و المتاجرة به خدمة لمصالحهم في المنطقة..أعلى الدوائر السياسية في أميركا استقبلت مجاهدي أفغانستان كأبطال في البيت الأبيض و البنتاغون ..دعم و تسليح بن لادن و القاعدة ضد التدخل السوفيتي في أفغانستان ..الاتصالات المكثفة منذ عام 2005 بين المخابرات الأميركية"CIA" و جماعة الإخوان المسلمين في مصر تمهيدا لدعمهم في الاستيلاء على الثورة المصرية, حتى تقلصت من "ثورة" إلى "تسليم مفتاح " مصر من يد مستبد فاسد إلى فاشية دينية.. و هو في تصوري "سيناريو" يحمل بعض أوجه التشابه مع ما حدث في العراق عام 2003.. إزاحة نظام دموي دكتاتوري و تسليم العراق إلى فاشية دينية أثبتت الأحداث أنها لم تولد من رحم عراقي.rnإذاً المبرر الذي ترفعه أميركا و دول الغرب استنادا إلى حجة حرية الرأي و التعبير الذي تدافع عنه هذه الدول ..هي نفس الحرية التي طالما فرّقت بين استباحة مقدسات المسلمين و بين كل من يقترب من اليهودية و "اسطوانة" المحرقة الشهيرة.. عندها سرعان ما يرتفع سيف معاداة السامية ليقص رقاب كل من يتجرأ عليها.. و الأمثلة عديدة..منها ما حدث للمفكر الفرنسي روجيه غارودي الذي امتنعت كل دور نشر الغرب عن طباعة مؤلفاته حتى اغتيل الرجل معنويا قبل رحيل جسده عن العالم لأنه تجرأ على مراجعة محرقة اليهود..مثال صارخ على القمع مارسته السياسة الأميركية مع المخرج مايكل مور عقابا على معارضته هذه السياسة و كشف تضليلها للرأي العام ..إذ سحبت كبرى شركات الإنتاج في هوليوود- منها شركة ديزني – تمو يل و إنتاج أفلام مور ..حتى أنها حاصرته و منعت عرض أفلامه في إحدى دورات مهرجان كان السينمائي.. أشهر و أقدم مراسلة في البيت الأبيض "هيلين سميث" اُطيح بها و فقدت كل تاريخها الإعلامي حين مارست حريتها و قالت إن على اليهود العودة إلى بلادهم.. لعل أبلغ ما يلخص حال سلاح حرية التعبير والرأي الذي يرفعه الغرب في وجوهنا ..المثل العراقي( غراب يقول لغراب وجهك أسود)!!!.. قيمة الحرية التي نُقدسها ونصبو إليها جميعا بدون مقومات العدل و التجرد لن تلد سوى جنين مشوه بكل معالم الفوضى و الغوغائية و الانفعال الأعمى.. لعل أقرب الأمثلة من العراق على الممارسات الفوضوية الساذجة لرئاسة الحكومة – وهي للعجب أيضا ترفع شعار الحرية!!- التمادي في تدمير كل القيم التي ارتبطت بالوجدان العراقي تمثلت في الهجمة الوحشية على شارع المتنبي..تغيير معالم شارع أبو نؤاس.. مداهمة المؤسسات الصحفية و الإعلامية..الاعتداء المسلح على النوادي ..فرض قيود "مستوردة" على المرأة العراقية التي طالما بهرت العالم العربي بريادتها في مختلف المجالات.. ثم بعد كل هذا , لا تستحي الحكومة من إطلاق الاتهامات ضد الشارع العراقي حين يمارس حريته في رفض سياستها العشوائية ..و السؤال للسيد المالكي..و أنت تزرع مبادئ الفوضى و العنف..هل كنت تنتظر ردود أفعال مغايرة في طبيعتها عن المبدأ الذي فرضت التعامل به؟rnأخيرا.. لست بصدد الدفاع عن ردود فعل الشارع العربي على الإساءة للمقدسات الإسلامية.. العقل و المنطق يرفضان تبرير العنف و القتل تحت أي ظرف.. فالغوغائية و الدم لم يكونا يوما من وسائل العلاج ..إنما هي محاولة تشريح وفهم أبعاد الأزمة.rn* كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة rn
الحرية..فـي حضــــرة "المصــــالــح"
نشر في: 3 أكتوبر, 2012: 06:47 م