حوار: محمد الكحط رغم معاناته مع الغربة يواصل الفنان سلمان راضي نتاجه الإبداعي، مجددا في أساليبه الفنية، فهو لم يترك الرسم ولا النحت، بل يسير بهما معا، رغم كونه نحاتا بالدرجة الأولى، واليوم يواصل تجربته التي بدأها منذ عشر سنوات ويضيف فلسفة جديدة،
حيث يقول إن فن النحت كما هو معروف فن مكاني يرتبط بالمكان، وموضوعته واحدة ضمن نفس المكان، لكنني أعتقد اليوم انه لم يعد فنا مكانيا بالمعنى المتعارف عليه، حيث أنني استطعت تطويعه.حول هذا الطرح كان حوارنا مع الفنان سلمان الراضي، في البدء عرفنا فن النحت أنه من الفنون التشكيلية المتميزة عن باقي الفنون الأخرى، فهو فن الحضارات على مر الدهور والأزمان، وهو لا يتعامل مع الأشكال المسطحة مثل فن التصوير أو الرسم، بل يتعامل مع الأشكال المجسمة، لذا فهو أقدر على نقل الحس الفني من خلال اللمس، والذي ينقل إلينا الإحساس بواقعية الشكل المنحوت، وتختلف الخامات المستخدمة في النحت، منها الرخام المصقول، أو الخشب أو الطين أو البرونز أو الحديد...الخ.وعرفنا النحت أنه فن مكاني يرتبط بمكان معين وبموضوع معين، واستخدم عبر التاريخ لعدة أغراض، منها كفن من أجل شيء تذكاري لحدث معين أو تخليد شخصية ما وتمت الاستفادة من المنحوتات القديمة كأرشيف تعرفت البشرية من خلاله على بعض الأحداث والعادات السائدة في تلك الحقب التاريخية.وكما هو معروف، فالنحت عمل فني ثلاثي الأبعاد، ينفذ عن طريق الحفر أو السبك الصب أو التركيب، ليتحول إلى شكل إبداعي، ولحجم التمثال تأثير على المتلقي، وموضوعتنا تتناول معنى النحت وعلاقته بين ما ينتجه التركيب والتشكيل بطرق مختلفة من حيث علاقة الكتلة بالفراغ والمكان والموضوع. كما أن أنواع النحت عديدة منها النحت المباشر، وينفذ على خامات مختلفة في درجة صلابتها. والنحت غير المباشر، كاللصب، أو التشكيل والتركيب النحتي.ومن خلال الكتلة والفضاء والمكان والسطح تبرز عناصر الحركة وقوة العمل وشكله، هكذا عرفنا النحت أما فناننا سلمان راضي فله رأيٌ آخر نحاوره عليه.يقول: يتفق أغلب الباحثين في تاريخ الفن وعلم الجمال على تقسيم الفنون إلى فنون زمانية ومكانية، والزمانية مادتها هي الكلمة كالأدب بأنواعه من شعر ورواية ومقالة ومسرحية، وفن الموسيقى والرقص الذي يعتبر أول الفنون منذ نشوء التجمعات البشرية حسب رأي الفيلسوفة والباحثة في تاريخ الفنون وعلم الجمال "سوزان لانجر 1895"، هذه الفنون الزمانية "السمعية والمرئية" مرتبطة بالحقب الزمانية التي توثق تلك التجارب البشرية.والمتلقي لهذه الفنون يحتاج إلى زمن لمتابعتها، كقراءة رواية أو سماع قصيدة أو موسيقى أو مشاهدة مسرحية.أما الفنون المكانية فهي الفنون التشكيلية بأنواعها، كالرسم والنحت والعمارة والسيراميك...الخ. هذه الفنون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمكان، وهي تتضمن مواضيع فكرية وثقافية وعقائدية، حالها حال الفنون الزمانية، إلا أنها تحتاج إلى المكان الذي تلتصق به، ويعتقد البعض أنها تفتقد الوقت أي الزمان الطويل لمتابعة تفاصيلها، كما هو الحال في الفنون الزمانية.وهنا يستدرك سلمان راضي قائلا: أنا أعتقد أن هذا الكلام غير دقيق، وإن كان صادرا من كبار الفلاسفة والمفكرين، فمثلما يحتاج المتلقي لفهم وإدراك مضمون الرواية إلى زمن لقراءتها، كذلك لربما يحتاج الى زمن أطول ليتسنى له فهم مضمون تلك اللوحة أو ذلك العمل النحتي، هم قالوا، ولم أقل أنا بأن الفنون المكانية لا تحتاج إلى زمن، فمنذ اللحظة الأولى، يمكن أن يدرك المتلقي معنى تلك اللوحة، أو التمثال، وهذا الكلام غير صحيح، فلدينا أمثلة كثيرة عبر التاريخ، فعندما تم عرض أعمال بعض الفنانين الكبار، معظم الحضور لم يفهموا معنى تلك الأعمال إلا بعد فترات طويلة من الزمن، هل أدركوا معنى الجمال الساحر والابتسامة الدفينة في لوحة "الموناليزا" أي "الجيوكندا" للرسام الإيطالي دافنشي، هل أدركوا لوحة "عباد الشمس" للفنان الهولندي فان كوخ، فهذه اللوحة لم تكن تعني شيئا في بادئ الأمر، وبيعت بثمن بخس، وبعد مرور أكثر من مئة عام وصل سعرها إلى آلاف الدولارات، وبعد تأملات هذه اللوحة مرارا وتكرارا من قبل المتخصصين، وصل سعرها إلى مئتي مليون دولار، والأمثلة كثيرة، وكذلك في فن النحت فـ"اللبوة الجريحة" في النحت البارز السومري الموجودة حاليا في متحف اللوفر بباريس، وبعد التدقيق والتعرف على قوة تعبيرية النحات السومري العراقي، ترى هل تقدر بثمن...؟، وقيمتها ليس فقط على قدمها، وإنما على قوة الإبداع الذي توصل له النحات السومري.وأود أن أشير إلى كون جميع التماثيل تقرأ أحادية الموضوع، نعم هذا الكلام صحيح بالنسبة للتمثال ذي الهيئة الواحدة في المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الواقعية، ولكن هذا الكلام لا ينطبق على المدرسة الحديثة في الفن، فتمثال "الحكيم" للنحات سلمان الراضي، الذي يخصص للمكان المناسب له، يمكن إعادة تركيبه ليقرأ تمثال "الحاكم المستبد أو الدكتاتور"، وبذلك لا يمكن أن يكون المكان الأول مناسبا له بعد أن تغيرت هيئة التمثال، ويم
القراءات المتعددة في منحوتات سلمان راضي
نشر في: 5 أكتوبر, 2012: 07:21 م