احمد المهنا الحرية وليدة المعرفة. تتحرر بقدر ما تعرف. وتعرف بقدر ما تتساءل حول كل شيء وتتشكك بكل شيء: المعلومات والأفكار والمعاني والقناعات التي في حيازتك وفي حيازة الآخرين من حولك. هل تحققت من صحة أفكارك عبر تساؤلات وفحوصات واختبارات أجريتها بنفسك؟ أم أنك تقبلت أفكارك دون تأمل
rn عن طرق الوراثة والتلقين وما جرت عليه العادة وسارت عليه الناس؟ الرد بالايجاب على السؤال الأول يعطيك حق الاعتقاد بصحة ما لديك. والرد بالايجاب على السؤال الثاني يسلبك هذا الحق.rnتمتدح انسانا بقولك إنه طفل. وتعرف بأنك لم تخترع هذا النوع من الثناء، وانما هو سائد ومتعارف عليه. وأنا أقول لك بأن هذا المديح هو غاية الهجاء اذا قيل في رجل بالغ أو سيدة ناضجة. فمعناه انه شخص أناني وعديم الاحساس وعديم الشعور بالمسؤولية: وهذه هي حقيقة الطفل. وهي مبررة، لأنه طفل، أي أنه بالإضافة الى ما سبق بريء وجميل وعاجز وجاهل يعتبر نفسه مركز الكون. لكل ذلك نحبه، ونحترمه، ونرعاه، ونربيه، حتى ينضج بتلقي المعرفة واكتساب المؤهلات والاحساس وتعلم الغيرية وتحمل المسؤولية. ثم يقيَّم بعد بلوغ سن الرشد تبعا لالتزامه بمعايير النضج هذه، لا بمعايير الطفولة. فهذه الأخيرة، وبالخصوص منها الأنانية وانعدام الاحساس وغياب الشعور بالمسؤولية، تنطبق على كل دكتاتور.rnانه كطفل! هذا منتهى القدح اذن.rn ولكن المعادلة قد تتغير اذا قلت في انسان ناضج انه بريء كطفل. فهو لا يكذب ولا يكره ولا يتآمر ولا يؤذي ولا يجرم. البراءة أجمل آيات الطفولة. وهي اذا وجدت في كائن ناضج ترفعه الى مستوى المثل الأخلاقي الأعلى. غاندي جَسَّدَ هذا المثل. انه بريء كطفل. وهذا احد وجوه سحره الدائم. انه زعيم سياسي. والسياسة غالبا ما تخاض بطرق مؤذية من كذب وتآمر وخداع ومكر واجرام. ولكن غاندي تسامى عن ذلك كله. وإذا وَجَد انه لابد من أذى ما لتصحيح السياسة كان يوقع الأذى بنفسه لا بغيره: يضرب عن الطعام. هذا ما فعله مثلا عندما اقتتل الهندوس والمسلمون. وأدى اضرابه الى وقف ذلك الاقتتال!rnلذلك قال آينشتين في غاندي "ان مثال حياة متفوقة معنويا مثال لا يقهر". فحتى العصبية الدينية أو الطائفية، وهي أشد أنواع العصبيات عنفا، انحنت ولو للحظة أمام مثال تفوقه المعنوي، الذي تمثل البراءة، أو الطفولة ان شئتم، أحد عناصره. rnولعل فساد المعاني أشد ما يكون في السياسة. فالعاملون بهذا المجال في احسن أحوالهم يحاولون اقناعك ولا يحاولون حثك على التفكير والتأمل. انهم يحاولون تعطيل عمل أهم ملكات الناس، وهو العقل، من أجل الفوز بالأصوات المؤدية الى حيازة السلطة. وهذا في احسن الأحوال، أي في الديمقراطيات العتيدة. فما بالك بغيرها؟ يقول الواحد من جماعتنا في الطائفية ما لم يقله مالك في الخمر. أي يهاجمها باقذع الكلمات ويدينها بأقسى العبارات. لكن المفارقة الواضحة كل الوضوح انه يقود او ينتمي الى حزب مفصل اصلا على مقاس طائفة واحدة، ولا يضم من غيرها في صفوفه أحدا البتة. فكيف تكون الطائفية وكيف يكون الكذب؟rnعلى هذا المنوال يكاد يكون كل كلام السياسة عندنا، من "وحدة حرية اشتراكية" الى "دولة القانون والمؤسسات وفصل السلطات". إن هناك على الدوام تحررا في معرفة مقدار إفساد الفكر السائد عموما، والسياسة خصوصا، لمعاني الكلمات والمصطلحات. فالمعرفة تحرر. والجهالة كالمجاعة والمخافة تستعبد: وهذه هي الأثافي الثلاث لطبخة الدولة الغنية والشعب الفقير في العراق.rn
أحاديث شفوية:عندما تكون الطفولة ذما شنيعا
نشر في: 7 أكتوبر, 2012: 09:06 م