من خصائص المشاعر الإنسانية أن يعرف المرء الندم، بيد أن كثيراً من البشر لا يعرفون الندم على الإطلاق! ذلك لا يعني بالضرورة أنهم لم يرتكبوا قط ما يستوجب الندم.
كثيرون أولئك الذين لا يدركون أنهم يقترفون أشياء تستحق الندم بشكل مستمر ويومي، ولأنهم لا يندمون يتصورون أنهم لم يفعلوا ما يندمون عليه. بعض الذين لا يندمون ينقصهم الوجدان الصادق الذي يدفع الإنسان إلى الاعتراف بأخطائه؛ ولو بينه وبين نفسه، خاصة في حق الآخرين. وثمة آخرون يعرفون جيداً أنهم ظالمون، ولكنهم اعتادوا ما جُبلوا عليه إلى درجة أنهم لا يبالون حتى بتبرير أفعالهم، ناهيك عن الشعور بالندم.
الذين يشعرون بالندم والتوبة أشخاص خيّرون بطبعهم، ومهما انحرفوا عن جادة الصواب فإن الأمل معقود على عودتهم إلى طبيعة الخير والصلاح. كما أن خطاياهم تنحصر في إساءات لا تصل إلى المظالم الكبيرة والأضرار الجسمية.
قد يفصح البعض عن الشعور بالندم بالاعتذار لمن وقعت عليهم الإساءة ولحقهم الضرر بسبب أفعالهم، والاعتذار مطلوب سواء من وجهة نظر الدين أم الأخلاق العامة أم التشريعات القانونية. وثمة من لا يفصح بالاعتذار؛ ولكنه يؤنب نفسه ويتألم داخلياً على ما اقترف من إساءة إلى الآخرين. بطبيعة الحال: في كلٍ خير؛ بيد أن الفئة الأولى أفضل من الثانية، فما بين الإنسان والآخر لا يغفره الله دون مسامحة الطرف المتضرر.
التعبير عن الشعور بالندم يتباين من شخص إلى آخر ومن أمة إلى أمة. سمعنا كثيراً عن مديري شركات في اليابان وغيرها عندما يتسببون في خسارة أو إفلاس تلك الشركات، يدفعهم الندم إلى الانتحار. منهم من ألقى بنفسه من شرفة مكتبه بناطحة السحاب التي يقع فيها مقر الشركة، ومنهم من أطلق النار على رأسه، ومنهم من شنق نفسه. آخرون لم يبلغ بهم الندم حد الانتحار واكتفوا بتقديم استقالاتهم من مناصبهم الكبيرة في مؤسسات عملاقة تعبيراً عن أسفهم وندمهم على أخطائهم.
في المقابل نجد في مجتمعنا أفرادا يستنكفون عن الاعتذار البسيط، ناهيك عن الندم وتقريع الذات. وعلى عكس ما تقدم؛ يلقون باللائمة على غيرهم وقد يتخذون من بعض موظفيهم الصغار كبش فداء. هؤلاء يتمتعون ببلادة شعور وقسوة في الوجدان؛ وقبل ذلك كله إما أنهم لا يخشون الله، أو لا يؤمنون به أصلاً.
من أبسط الأشياء التي تستوجب الندم والاعتذار عدم الوفاء بالمواعيد، بيد أن الذين يفعلون ذلك، على كثرتهم، لا يعتذر جلهم لمن أخلفوا موعده وسببوا له ضرراً معنوياً وربما مادياً جراء ذلك. كما نرى كثيرين يرتكبون المخالفات والأخطاء ولا يعترفون بها أصلاً؛ بعضهم يرتكب جريمة الرشوة مع البرهان الدامغ والأدلة ويرفض الاعتراف بأنه فعل ذلك حتى مع وجود البرهان الدامغ عن طريق الشهود والتصوير الحي أحيانا، ولهذا كثر الفساد والفاسدون وانتشر المجرمون الذين لا ضمير لهم سوى سرقة أموال الناس.
إن غياب كلمات الاعتذار والتعبير عن الندم من قاموس مفردات شعبنا علامة خطيرة؛ تدل على سوء الأخلاق وموت الضمير. أتمنى أن يهتم المعلمون بتربية تلاميذهم على محاسبة أنفسهم والاعتراف بأخطائهم والاعتذار للآخرين. كما ينبغي أن يلتفت الخطاب الديني إلى توطيد محاسن الخلق واستقامة السلوك والندم والاعتذار.