يخوض العراق في هذه المرحلة الخطيرة، صراعا ملتبسا مع الخارج، (دول كبرى وإقليمية)، من أجل تثبيت ركائز الوحدة الوطنية وبناء العراق القوي المعافى، غير أن تحقيق هذا الهدف الستراتيجي، يستدعي جهودا استثنائية من قادته ومفكريه، علما أن المزايا التي يتمتع بها
يخوض العراق في هذه المرحلة الخطيرة، صراعا ملتبسا مع الخارج، (دول كبرى وإقليمية)، من أجل تثبيت ركائز الوحدة الوطنية وبناء العراق القوي المعافى، غير أن تحقيق هذا الهدف الستراتيجي، يستدعي جهودا استثنائية من قادته ومفكريه، علما أن المزايا التي يتمتع بها العراق، تجعله محط أنظار القوى الكبرى وحساباتها، خاصة أنها تخطط وتعمل على مدار الساعة، لتحمي مصالحها القومية في شتى المجالات.
ومن المزايا التي يتمتع بها العراق موقعه الذي يتوسط منطقة ساخنة ومهمة في العالم، بل تعد من أهم مصادر الطاقة عالميا، ناهيك عن الموقع الجيوبوليتيكي المهم للعراق، وإسهامه في تحقيق التوازن الدولي بين القوى المتصارعة، لحماية مصالحها، في ظل هذه المزايا وتكالب الدول الكبرى والإقليمية على العراق، لابد أن تتمتع قيادته السياسية برؤية وطنية أصيلة ودقيقة، قادرة على تحقيق التوازن بين عموم القوى، لكي تبقي العراق في منأى من التمحور مع قوة ما ضد قوة أخرى، بمعنى أوضح ، مطلوب أن يبقى العراق مستقلا في سياسته، مع احتفاظه بأهميته وعلاقاته الستراتيجية مع الدول الأخرى، ومع الإقرار بصعوبة الوضع العراقي الراهن، إلا أن الرؤية الوطنية المتوازنة ليست عصية على التحقيق، وليست مستحيلة، خاصة إذا توافر لدى قيادته، الإيمان الحقيقي و قوة الشخصية التي تمكنها من فرض احترامها ورؤيتها الوطنية المستقلة على الآخرين، مع الإبقاء على توازن المصالح قائما، وقد يرى آخرون أن هذا الأمر لا يتعلق بشخصية سياسية عراقية دون غيرها، إنما الأمر يتعلق بسياسة عامة للدولة، وهو رأي نتفق معه تماما، ولكن حضور الشخصية القيادية وتأثيرها ورؤيتها، له أبلغ الأثر في توجيه الرؤية السياسية الوطنية، وجعلها فاعلة وقادرة على توطيد مكانة البلد وحماية مصالحه.
ويمكن العثور على أدلة ونماذج قيادية عربية وعالمية، تثبت بما لا يقبل الشك، التأثير المزدوج للرؤية السياسية المستقلة، مضافا إليها قوة الشخصية القيادية للقائد السياسي ومعاونيه، التي تسهم بدورها في فرض المصلحة الوطنية، وتقدّمها على غيرها من المصالح الدولية أو الإقليمية، ليس بالمعنى العنصري الضيق الذي يتجاوز مصالح الآخرين، بل بمنطق القائد السياسي الحريص على وطنه وشعبه أولا وقبل أي شيء آخر.
بعد هذه المقدمة، تُرى أين هو موقع القائد السياسي العراقي مما يحدث على الأرض، هل هو مع شعبه ووطنه، وهل يمتلك الرؤية السياسية الوطنية المستقلة، القادرة على وضع حد لسيل الأطماع والمصالح الدولية، والإقليمية التي تهاجم العراق من كل حدب وصوب؟ حتى وصف كثيرون هذا البلد بـ (الكعكة) التي يتقاسمها الأغراب في ما بينهم، إلا أهلها، وهل فعلا هذا هو واقع حال العراق في ظل حالة التشرذم التي يعانيها؟ وعندما نجيب عن هذه التساؤلات، لابد من القول إن العراق يعاني من هشاشة واضحة في إدارة أموره السياسية، خاصة أن تجربة قادته السياسيين لا تزال طرية، مقابل تمرس كبير للدول الكبرى والإقليمية على كيفية قضم مصالحها، من لحم ودم الشعب العراقي، ممثلا بخيراته وثرواته المادية والمعنوية، التي أصبحت محل نهب وسلب من لدن هذه القوى المختلفة، وهو نهب لا نظير له في التاريخ العراقي المنظور أو القديم، تدعم هذا الواقع المؤلم ظروف سياسية تبدو قاهرة، بل كأنها غير قابلة للمعالجة، بسبب ضغط الصراعات الدولية والإقليمية.
إن هذا الواقع الذي يتوزع على جانبين، أحدهما خفي، والآخر واضح وضوح الشمس، يتطلب تعاملا سياسيا وطنيا حاسما، من لدن قادة سياسيين مؤمنين بالشعب والوطن، ينطلقون في تعاملهم القوي مع الصعوبات الكبيرة التي يتعرض لها العراق، من قاعدتهم القوية التي يجب أن ترتكز على الشعب أولا، بمعنى إذا كان القائد السياسي مقنعا للشعب كله وحليفا له، فإنه قادر على فرض الرؤية السياسية الوطنية على الآخرين، والتعامل وفقا لها، مع الإقرار بأن المشهد السياسي العالمي قد لا يتيح للعراق أن يتعامل بحزم مع الحسابات الدولية والإقليمية، ولكن ليس هناك بديل للعراق من قادة سياسيين وطنيين، يفرضون رؤيتهم العراقية على غيرها، شريطة أن يستمدوا قوتهم من الشعب حصرا، قبل أي مصدر سواه.