TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > عوامل انتشار ممارسات التعذيب في العراق

عوامل انتشار ممارسات التعذيب في العراق

نشر في: 6 يناير, 2013: 08:00 م

يعاقب قانون العقوبات العراقي  رقم 111 لسنة 1969 المعدل في المادة ( 333 ) منه بالسجن (أكثر من خمس سنوات - 15 سنة ) أو بالحبس ( من يوم واحد -  5 سنوات ) كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجري

يعاقب قانون العقوبات العراقي  رقم 111 لسنة 1969 المعدل في المادة ( 333 ) منه بالسجن (أكثر من خمس سنوات - 15 سنة ) أو بالحبس ( من يوم واحد -  5 سنوات ) كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو للإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها ، أو لكتمان أمر من الأمور ، أو لإعطاء رأي معين بشأنها ، ويكون بحكم التعذيب استخدام القوة أو التهديد .

لكن تجريم هذا الفعل لم يكن كافيا لإيقاف التعذيب الذي كان ممارسة منظمة عادية في المواقف والمعتقلات العراقية قبل عام 2003 ، وعاد بطريقة حادة ووحشية إبان الحرب الطائفية عامي 2006 و2007 واستمر كممارسة روتينية منتظمة لانتزاع الاعترافات من المتهمين  خصوصا في قضايا الإرهاب ، فالجهات التحقيقية عاجزة عن إثبات أية جريمة -  مهما كانت بسيطة -  على مرتكبيها إلا بانتزع الاعترافات منهم  . وأيسر الطرق للوصول إلى ذلك هو التعذيب بأنواعه المختلفة ، بضمنه اغتصاب المتهمين ذكوراً أو إناثاً أو اغتصاب ذويهم أو تعريتهم أمامهم .

فالدافع الرئيسي وراء ممارسات التعذيب في المواقف والسجون العراقية هو انتزاع الاعترافات لإثبات الجرائم ضد المتهمين بها ، ورغم أن قسماً لا يستهان به من تلك الاعترافات تصدر من المجرمين الحقيقيين ، ولكن قد يذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء الذين يضطرون إلى الاعتراف تخلصا من عذابات وآلام التعذيب والضغط الذي يمارس ضدهم  .

والتعذيب - مهما كان مقداره يسيرا أو كبيرا - ممارسة مرفوضة سماويا واجتماعيا وإنسانيا ودوليا مهما كانت المبررات والأسباب التي تقف خلفها ، لأنها تتعارض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان . فما هي عوامل انتشارها في العراق بعد عام 2003 على الرغم من تبنيه - كدولة ديمقراطية - مبادئ حقوق الإنسان ومنع التعذيب رسميا وعلى الرغم من تجريم هذا الفعل والمعاقبة عليه بالسجن لمدة قد تصل لـ ( 15 ) سنة ؟

هناك عوامل كثيرة ساعدت على انتشار التعذيب ، إلا أن أهمها هي :-

1- عدم احترام قاعدة الفصل بين جهات التحقيق وجهات  وضع اليد على المتهمين :- التي وضعتها سلطة الائتلاف الموقتة المنحلة في القوانين العراقية منذ عام 2003 ولكنها خرقت بإنشاء سجون ومواقف تابعة للجهات التحقيقية مما أدى إلى ممارسة أنواع التعذيب والانتهاكات ضدهم فيها .

فالقصد من هذه القاعدة هو منع وضع المتهم تحت يد المحقق أو ضابط التحقيق ، لمنعه من تعذيبه لانتزاع اعتراف منه . وإنما يوضع تحت يد جهة لا علاقة لها بالتحقيق ( وزارة العدل ) ولا تعرف أي شيء عن نوع التهمة الموجهة للمتهم الموقوف ، وليس من واجبها سوى الحفاظ عليه ، وتأمين إحضاره ، وقت طلب الجهة التحقيقية ، لإنجاز إجراء معين ، دون أن يخرج من يدها نهائيا ثم إعادته إلى محل الاحتفاظ به .

ونلك هو العامل الحاسم في انتشار ممارسات التعذيب المقيتة ، ولو ضمن احترام قاعدة الفصل بين جهات التحقيق وجهات وضع اليد على المتهم لضمنا القضاء على ثلاثة أرباع ممارسات التعذيب ، شريطة أن تطبق تلك القاعدة تطبيقا صارما بأن ينص على تجريم احتفاظ الجهة التخقيقية بالمتهم ولو لدقيقة واحدة .

2- إفلات الجلادين من العقاب :- فيندر جدا أن يلاحق محقق أو ضابط عن قيامه بانتزاع اعتراف من متهم بالتعذيب ، بل غالبا ما يكافأون لأنهم كشفوا مرتكبي الجريمة ،خصوصا إذا كانت الجريمة محل اهتمام الرأي العام أو محل اهتمام قياداتهم  . ويساعد على الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب عوامل كثيرة منها :-

أ‌- الصعوبة البالغة في الحصول على الأدلة ضد الجلادين لان التعذيب يتم عادة والضحايا معصوبو الأعين لمنعهم من التعرف على الجلادين أو يقوم الجلادون بارتداء قناع يمنع من التعرف عليهم ، ويجري التعذيب في غرف مغلقة غير خاضعة لأي رقابة ، بمعزل عن العالم الخارجي ، وقد يجري التعذيب بطرق وحشية وخسيسة لا تترك أثرا على جسم الضحية ، أو أن يجري بطرق تترك أثرا على جسده إلا أن الآثار تختفي بعد فترة حينما لا يعرض الضحية سريعا على الأطباء لثبيت آثار التعذيب ، وقد يختلط الأمر حينما تدعي الجهات التحقيقية بأن المتهم هو من احدث آثار التعذيب بنفسه تهربا من اعترافه بالجريمة . وقد تمارس ضغوط وتهديدات أو تأثيرات معينة ضد الجهات الطبية لاستصدار تقارير لا تراعي الحقيقة وتميل باتجاه إنقاذ الجلادين على حساب الحقيقة .

ب- تكاسل أوعدم فعالية أوعدم جدية الجهات المعنية بملاحقة جرائم التعذيب كهيئة النزاهة وجهاز الادعاء العام ،  بل تواطئها معها أحيانا ، أو تغاضيها عن تلك الجرائم تجنبا للاصطدام بالجهات التي ارتكبت تلك الممارسات ، خصوصا إذا كانت مدعومة من أعلى السلطة التنفيذية أو مرتبطة بها .

ج- منع محامي المتهمين أو ذويهم من الاتصال والتواصل معهم لفترات طويلة ، بل أحيانا منعهم من معرفة أماكن احتجازهم ، مما يسهل ممارسة كل أنواع الضغط والتعذيب ضدهم ثم إخفاء آثار التعذيب باندمال جروحهم ، لعدم وجود من ينجدهم أو يطالب بإجراء الفصحوصات الطبية على أجسادهم .

د- فساد القوانين :- مثل نص المادة ( 111 ) من قانون أصول محاكمات قوى الأمن الداخلي التي منعت اتخاذ أية إجراءات قانونية ضد ( رجل الشرطة) مراتب وضباطاً ، إلا بأذن من وزير الداخلية ، وقد يمتنع الوزير عن إعطاء الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية ضد مرتكبي ممارسات التعذيب ، مما يساعد على إفلاتهم من العقاب وانتشار ممارسات التعذيب بل تفاقم ممارستها. 

د- تورط الجهات التي تحقق في ( تهم تعذيب المتهمين) ذاتها في التعذيب أو إيمانها بضرورته  :- فكيف يتصور أن نخرج من تحقيق في ( تهمة تعذيب متهم) بنتيجة إيجابية إذا أودع التحقيق إلى ضابط  هو زميل الضابط المتهم كما انه هو نفسه يمارس التعذيب لانتزاع اعترافات المتهمين ، أو إذا كان المحقق المعني أو قاضي التحقيق المعني يعتقد بضرورة التعذيب لانتزاع الاعترافات ، وإلا فلن تثبت لدينا جريمة واحدة ضد مرتكبيها لعجز الجهات التحقيقية عن جمع أدلة معتبرة ضد الجناة . لذلك تجد أن قضايا التعذيب التي تفتح ضد الضباط ( المحققين ) - رغم قلتها قياسا إلى ممارسات التعذيب المنتشرة - فإنها لا تتابع بجدية كافية ، أو يجري التحقيق فيها بطريقة منحرفة باتجاه إنقاذ الضابط المتورط بالتعذيب  .

3- تبني القضاء الأخذ بالاعترافات المنتزعة بالإكراه والتعذيب :- فأخذ المحاكم العراقية بالاعترافات على علاتها وإستنادها إليها في إصدار الأحكام بإدانة المتهمين بالجرائم ، بلا بحث دقيق في كونها منتزعة بالإكراه من عدمه ، شجع على تفاقم ظاهرة التعذيب لانتزاع الاعترافات ، مادام الجلاد آمناً من ملاحقته عن جريمة التعذيب بل انه سيكافأ عن اكتشافه فاعلي الجريمة ، وما دام مطمئنا بأن القضاء سيأخذ بالأدلة التي رتبها له من خلال تعذيب المتهم وإكراهه على الاعتراف . وهذه هو عين ما شخصه نائب الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق جورج بوستن في كلمته الرائعة نهاية عام 2011 ،إذ يقول :- ( ... وفي حين ينص القانون العراقي على عدم قبول القضاة  للاعترافات التي يزعم أنها انتزعت تحت الإكراه أو نتيجة سوء المعاملة أو التعذيب ، فإن رصد إجراءات المحكمة من الأمم المتحدة ، يشير إلى أن القضاة يقبلون مثل تلك الاعترافات ، بشكل روتيني دون دراسة ، وللأسف تسهم هذه العوامل في إيجاد بيئة تسمح بإساءة معاملة المحتجزين وتعذيبهم ... ) ( ).

4- تشجيع وتبني وحماية السلطة التنفيذية للجلادين :- لاعتقادها بأنهم أداة حمايتها ، والجهاز القادر على كشف المتورطين بالجرائم خصوصا الجرائم السياسية التي تمس أمن النظام السياسي وتشكل خطرا عليه ، ولأنها ( أي السلطة التنفيذية) عاجزة دونهم عن حماية نفسها أو تحقيق أي منجز في مجال الأمن ، ولإيمان معظم القيادات الأمنية بعدم إمكانية كشف الجرائم دون استعمال الضغط والتعذيب لانتزاع الاعترافات ، لعجز الأجهزة التحقيقية عن كشف أية جريمة بلا اعترافات  – إلا نادرا جدا - بلا ضغط وتعذيب . 

إن إيقاف ممارسات التعذيب المنتشرة في العراق أمر يسير فعلياً لو توفرت الإرادة السياسية  الحقيقية لإيقافه ، لكن ليس الحل بتشكيل لجنة حكماء لتحري حقيقة وجود اعتداءات أو تعذيب ، فذلك أمر يعرفه الكل ، ولا يحتاج  إلى حكماء ولا إلى لجنة حكماء ، ومن ينكر وجود التعذيب  فإنما يحاول تقليد النعامة حينما تدس رأسها في التراب ، إنما الحل في إيقاف عوامل انتشار التعذيب التي ذكرناها أعلاه ، وما أسهل ذلك .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جوبز ولعبة التصريحات

العمود الثامن: تزوير ترامب !!

صمت!

العراق والشيزوفرينيا السياسية تجاه سوريا

العمود الثامن: صيف المالكي

العمود الثامن: صيف المالكي

 علي حسين اخبرنا السيد نوري المالكي مشكورا باننا في بلاد الرافدين سنعيش هذا العام صيفا ساخناً ، والسبب كما قال سيادته ان هناك مشكلة في الكهرباء .. تخيل جنابك ان رئيس وزراء لمدة...
علي حسين

قناديل: من العاقل؟ من المجنون؟

 لطفية الدليمي كان المشهد غريباً في البيت الأبيض وبخاصة أنّه تزامن مع الذكرى الثالثة للحرب الروسية - الأوكرانية: جلس (ماكرون) سليلُ العقلانية الديكارتية والتنوير الأوربي (هكذا نفترض. ربما الواقع غيرُ هذا) قبالة (ترامب)...
لطفية الدليمي

قناطر: ديمقراطية مجالس المحافظات!!

طالب عبد العزيز هناك ارتداد كبير تتعرض له الديمقراطية في العالم، ويتجلى ذلك في أمريكا وأوربا بوضوح أكثر، أما في بلدان العالم الثالث والرابع فحدث ولا حرج، فما هي والديمقراطية بشيء. لكن، ما يحدث...
طالب عبد العزيز

هل سيقوم ترامب بتفكيك حلف الناتو؟

حسن الجنابي في تموز 1991 أعلن رسمياً عن نهاية "معاهدة الصداقة والتعاون والمعونة المشتركة" المعروفة باسم "حلف وارشو". كان الحلف قد تأسس في عام 1955 كتحالف للأمن الجماعي لدول الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية الشرقية،...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram