اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > النخيل في السماوة غابات سحر وجمال تتحول إلى دور سكن!

النخيل في السماوة غابات سحر وجمال تتحول إلى دور سكن!

نشر في: 16 أكتوبر, 2012: 06:23 م

 المثنى/ يوسف المحمّداوي.. تصوير/ محمود رؤوف
"عيناكِ غابتا نخيل ساعة السحر" قالها الراحل الكبير بدر شاكر السياب لكنه لو رأى الصورة المأساوية التي تعيشها بساتين نخيل بلاده سيعزف عن وصف عيون معشوقته بمشهد النخل، ولم يتنبأ الشاعر بمصيرها حين قال "سعف وكرب ظليت ما بيه تمره" وكان الرجل احد أصحاب البساتين، الذي مرت به امرأة جميلة سلبت عقله فكان يصف حاله في ذلك البيت الدارمي، و الرسول المصطفى قال أكرموا وليس احرقوا وهجروا عمتكم النخلة. الشجرة المقدسة سلطانة الشجر وأيقونته المثمرة، الشجرة المقدسة في جميع الأديان السماوية، فتراها موجودة في القرآن بأكثر من سورة "وهُزّي إليك بجذع النّخْلةِ تُساقِط عَلَيك رُطَباً جَنِيّاً" وقال تعالى : (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، ووردت في الإنجيل والتوراة، ذكرت في القرآن نصّاً في 21 آية، وذكرت في أكثر من 300 حديث، وذكرتها كذلك الديانات الوضعية كالبوذية وغيرها، وكانت رمزاً خالداً في الحضارتين البابلية والفرعونية، فتجد صورة النخلة تزين معابدهم وقصورهم، واختلف المؤرخون كما يقول الكاتب شكري كريدي حول تحديد مكان نشأة النخيل لكنهم اتفقوا على قدمه، وأكدوا انه قرين بقدم المجتمع الإنساني منذ بدايات عصور حياة الإنسان. العراق موطنها الأول يضيف كريدي أن النخلة ذكرت في الألواح والرُقم السومرية أنها شجرة مقدسة، فإذا أخذنا شعار القرص المجنح والشجرة المقدسة حيث يظهر القرص المجنح في أكثر الحالات مقروناً بالشجرة المقدسة وهي رمز ديني مهم آخر في حياة الآشوريين اعتبره الباحثون ممثلا لشجرة الحياة التي ورد ذكرها في المدونات التاريخية، وقد ظهر شعار الشجرة هذا في كثير من النقوش الفنية والزخارف على الأحجار وعلى الألبسة الملكية، ويبين لنا أحد النقوش قطعة من الزخارف من رداء الملك الآشوري آشور ناصر بل نشاهد فيها الشجرة المقدسة وشعار القرص المجنح في أعلاها، وفي القسم الأسفل من النقش يُشاهد اله مجنح راكعا ومادا يده نحو ثمر الشجرة. وتدل هذه الزخارف التي ازدانت بها ثياب الملك على مدى ما أحرزته آشور من تقدم في المجال الفني. ومن الباحثين المؤرخين من يرى أن الشجرة المقدسة تمثل شجرة النخيل، والعراق أقدم موطن وجدت فيه النخيل إن لم يكن موطنه الأصلي حيث غرست في القسم الجنوبي منذ أولى دور السكن والاستيطان البشري في المنطقة. كان السومريون والساميون يقدسون النخلة وقد أتقنوا الطرق الناجحة في زراعة النخيل وكانوا أول من مارس تلقيحها، ولا شك في أنه كان لأشجار النخيل دور اقتصادي مهم في ضمان استمرار حياة المستوطنين الأوائل في هذه المنطقة لعديد فوائدها واستعمالاتها. ومما يؤيد قدم وجود أشجار النخيل في هذه المنطقة من العراق أن العلامة المسمارية التي يكتب فيها النخل قد جاءت في كتابات عصر فجر السلالات ( 2000 ـ 2400 ق. م). مجزرة النخيل أين ما وليت وجهك النخل فارس ضفاف الفرات بلا منازع، يحيلك المنظر إلى واحات سحر وجمال صفت بانتظام، وكأنها قلائد تزين جيد السماوة، هناك مضيف بجانبه خيمة بدو، ذلك قارب يتبختر مزهوا على مياه الضفاف ولكن للأسف تلك القلائد من النخيل يتعرض بعضها للقطع والحرق والتدمير، وبعضها الآخر بيع كقطع أراض سكنية لتتحول تلك الواحات الى دور سكن نسي أصحابها بأنهم بنوها على مجازر ومقابر سيدة الشجر، والمصيبة لا وجود لقوانين حكومية تردع أو تمنع تلك المجازر والمأساة التي يعيشها نخيل العراق، هناك نخلة تحترق، وأخرى ممددة على الأرض وكأنها فارس سقط عن جواده. احمد فضالة عبيس قائممقام قضاء الوركاء بين للمدى ان شح المياه اثر بشكل كبير في بساتين النخيل، وبعض الفلاحين وجدوا في زراعة بعض المحاصيل الزراعية المحمية أي المغطاة بالبلاستك بديلا عن زراعة النخيل. والكثير من البساتين أهملت ودمرت بسبب قلة المياه. وبدأ الفلاح للأسف لا يهتم بالنخيل بقدر اهتمامه بقوته اليومي من خلال زراعة الباميا والطماطم وغيرها. وبعض البساتين بيعت كقطع أراضٍ سكنية، نعم لدينا قانون لحماية بساتين النخيل لكنه غير مفعّل كما يقول عبيس، ومتطلبات الحياة والعوز الذي يعيشه الفلاح يدفعانه أحيانا للتفريط ببستانه ونخيله، علما أن المثنى وبالتحديد الوركاء هي الأولى عالميا بمستوى الفقر وخاصة الأطراف منها، وهذا الأمر شجع على بيع البساتين مما سيولد ضررا كبيرا على ثروتنا الزراعية. باتجاه المأساة الفلاح فهد كاظم، صاحب بستان، وهو يقوم بعمله بين النخيل يقول بان وضع النخيل يسير باتجاه مأساوي، وسبب ذلك كما يبين بأنه يعود لقلة المبيدات، قلة الإمطار وشح المياه، الحشرات بدأت تخر بنخيلنا ووزارة الزراعة وخاصة دائرة زراعة المثنى عاجزة عن دعم الفلاح سواء بالمبيدات أم الأسمدة، مضيفا بأنه في النظام المباد كانت تأتي طائرات لرش المبيدات من الجو سنويا لكن هذا الأمر انقرض في ظل الحكومات الجديدة. صاحب البستان الذي يغفو على ضفة الفرات بمساحة قدرها خمسون دونماً يوضح انه "بسبب شح المياه وعدم وجود دعم حكومي حقيقي للفلاح اضطررتُ لبيع أراض كثيرة من البستان للمواطنين كقطع سكنية". وبالفعل رأينا حركة البناء في الكثير من أراضي البستان بعد قطع النخيل وقتله من قبل الناس، مبينا انه مضطر إلى ذلك لان البستان لم يعد كما كان في السابق يسد احتياجات العائلة، ويوضح بان سعر القطعة التي مساحتها (200) متر مربع يصل أحيانا الى 60 مليون دينار، ويؤكد الفلاح كاظم بأننا ولأكثر من مرة تحدثنا عن معاناتنا مع المسؤولين لكنني لم نجنِ منهم غير الوعود، وعن أنواع التمور الموجودة في بستانه يقول هي الشكر والبريم والخستاوي والزهدي واستي عمران والكنطار، البلكه، البرحي، المكتوم وغيرها من الأصناف. لا تصدير للخارج وعن تصدير التمور الى خارج العراق يؤكد كاظم انه لم يعد هناك تصدير، وتدنت اسعار التمر عما كانت عليه في السابق فسعر كيلو التمر وصل عند التاجر إلى 350 ديناراً، وفي بعض الأحيان وخاصة في رمضان وصل كيلو الشكر إلى 500 دينار، وكيلو استي عمران الذي يباع عندكم بـ(6000) دينار يشتريه التاجر من الفلاح بـ(750)دينارا، وبالنسبة لأصحاب البساتين المعروفين من الجهة الغربية آل سعودي والصياغ وآل محمد علي، والجهة الشرقية من نهر الفرات هم في البداية آل سيد صادق، وآل موات، آل بوعليه،آل شاهر، آل بوحلك، آل صبار، آل باني. 90% من البساتين رحلت ويشير الفلاح كاظم إلى أن أشهر ملاك البساتين هم من آل سعودي الذين يملكون بحدود (500) دونم تركوا اغلب بساتينهم وقاموا ببيعها كقطع أراض سكنية، موضحا انه في بساتين منطقة البربوتي بيعت الـ(200) متر مربع بعشرين مليون دينار أو اقل، وسألناه عن كدس أكياس من التمر اليابس فقال كاظم: إنها علف حيوانات، لاحظنا وجود بحيرات سمك داخل البستان ولكن لا وجود للسمك وحين سألناه عنها أجاب: للأسف لم تنجح بحيرات تربية الأسماك في السماوة والسبب في ذلك هو مديرية زراعة المثنى التي لم تقم بدعم هذه الظاهرة وقامت باعتماد مبدأ الوساطة في تقديم القروض لأصحابهم وأقاربهم من أصحاب البحيرات، وبشأن نسبة مساحة البساتين التي تحولت إلى أراض سكنية أكد الفلاح أن الذي كان يملك 100 دونم أصبح الآن يمتلك عشرة دونمات فقط، والتسعون أصبحت دورا سكنية. وبشان عدد من النخيل كان محترقا، بين كاظم بان صاحب القطعة السكنية حين يروم البناء يقوم باقتلاع النخيل الموجود ومن ثم يقوم بحرقه للتخلص منه. المعري والجواهري هل يعقل أن يقتل هكذا سيد الشجر ولا من ضمير لمسؤول يستنجد لحماية هذه الثروة العظيمة، تلك التي قال عنها رسول الله(ص) "المسلم كالشجرة التي لا تسقط أوراقها وهي النخلة"، وعن اهميتها قال الخليفة العباسي هارون الرشيد "ذهب وفضة الأرض كلها لا تعادل قيمة نخيل العراق"، وحين زار أبو العلاء المعري العراق قال: شربنا ماء دجلة خير ماء وزرنا أشرف الشجر النخيلا وقال الجواهري: أحبابَنا بين الفراتِ تمتعوا بالعيش بين مياهه ونخيله ويقول الجواهري فيه أيضاً: سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى على النخل ذي السعفات الطوال على سيد الشجر المقتنى 35 مليون نخلة أين ذهبت؟ وأتذكر جيدا في سبعينيات القرن الماضي ونحن طلبة كيف كنا نتباهى بـ35 مليون نخلة حسب الإحصائيات، وكان عدد النخيل في العالم في ذلك الوقت (90) مليون نخلة أي كان العراق يستوعب 30% من أعداد النخيل في العالم كله.. وكانت البصرة في عقد الخمسينيات تحتضن وحدها (13) مليون نخلة، اما الآن فالإحصائيات مختلفة ومن جهات متعددة، فالبعض يقول: إن أعداد النخيل في العراق انخفضت الى (8) ملايين نخلة، لكن آخر إحصائية التي توصلت إليها الهيئة العامة للنخيل تقول إن أعداد النخيل في العراق حالياً هو (21) مليون نخلة وأكدت حرص الوزارة على دعم أصحاب بساتين النخيل ، ولا ادري متى تقوم بصدق وأمانة في دعم أصحاب البساتين بعد أن تركوها بحثا عن أبواب رزق جديدة. الزراعة لا تفعل شيئاً الفلاح علي احمد صاحب بستان آخر يتحدث عن معانات الفلاحين في تصدير التمور المستخدمة كأعلاف للحيوانات، يقول إن دائرة مخازن الديوانية التي نصدر لها الأعلاف أتعبتنا في معاملة الاستلام وأحيانا تأخذ منا أجور التفريغ. وعن مديرية زراعة المثنى يقول احمد بأنها تتبع مبدأ الوساطة بتجهيز مواد الأعلاف كالسحالة وغيرها، وعن إنتاج التمور يشير إلى انه لم يعد الناتج مجديا لأصحاب البساتين، لان النخيل ونتيجة العواصف أكلته الأتربة، وفي السابق كانت الطائرات تساهم في رشه ونظافته فضلا عن علاجه أما اليوم فلا وجود لها أبدا، ودائرة الزراعة لا تفعل شيئا ازاء ما يحدث، والغريب أن كربلاء والنجف وديالى تقوم الطائرات برش نخيلها لكن السماوة مستثناة ولا نعلم لماذا، والأدهى من ذلك - كما يؤكد - أن دائرة الزراعة تجهز التجار بالسماد ولا تعطيه للفلاح بالاتفاق مع التاجر الذي أصبحنا زبائنه منذ سنوات بحسب قول الفلاح علي احمد. مهرجان النخيل والتمر النخيل في العراق وفي ظل الوضع المأساوي الذي يعيشه يحتاج إلى وزارة إنقاذ النخيل، فمثلما للثروة النفطية والصناعية وزارات مستقلة يجب أن تكون لهذه الثروة التي تشارف على الانقراض وزارة تسعى قبل فوات الأوان إلى إنقاذ ما تبقى من نخيلنا، هل يعلم السادة المسؤولون أن الدول التي هي اليوم تتصدر دول العالم بالنخيل وأزاحت العراق من الصدارة تقوم بمهرجانات سنوية للنخيل والتمور، فمثلا دولة الإمارات العربية التي تعتبر اليوم الأولى عالميا بعدد النخيل الذي يبلغ (40) مليون نخلة فيها ،تقيم سنويا مهرجان الإمارات الدولي للنخيل والتمور ولمدة أسبوع، وفي هذا المهرجان الذي تشارك فيه العديد من دول العالم يقوم الزائر بتذوق أو شراء التمور التي بلغت فيه 500 صنف، علما أن العراق في سبعينيات القرن الماضي كان يمتلك لوحده ما يزيد على 600 صنف من أصل 2000 موجودة في العالم. شبيهة الإنسان يتخصص المهرجان بتراث وثقافة التمر والبلدان المنتجة له، وكذلك التعريف بفوائد النخيل والتمور، وعرض لطهاة محترفين في أكلات خاصة بالتمر، والتشجيع على زراعته، وتقديم دروس عملية في طريقة زراعته وكذلك تقاليد تسلقه، وعمل مسابقة للتسلق وحفلات وغيرها، هل سنبادر يوما ما لفعل ذلك أم أننا سنديم مجازر النخيل بمهرجانات القتل الجماعية له، من غير الالتفات او الشعور بأننا نقتل يوميا آلاف الأرواح المثمرة، هل نسينا بأنها أكثر الأشجار شبها بالإنسان، تقف كوقوفه، وحين يقطع رأسها تموت، وحين يبتر سعفها أو أطرافها لا ينبت غيره ، الشجرة الوحيدة التي لا تثمر إلا بلقاح الذكر، تكسو جسمها الألياف التي تشابه إلى حد ما الشعر الذي يغطي جسم الإنسان، والرسول حين قال "أكرموا عمتكم النخلة، لأنها خلقت من الطين نفسه الذي خلق منها جدكم آدم"، فاحتراما وإكراما لأبينا آدم، وللقرآن الذي خصها بآياته، لأحاديث الرسول العظيم، أنقذوا نخيل العراق، ولا تتركوا نخيل السماوة بكل عويل العالم يصيح "سعف وكرب ظليت ما بيه تمره".

 والى حكاية أخرى من حكايات هذا وطني

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram