إلياس سحابيشير الكاتب إلى إحدى أشهر الأغنيات فى بدايات فريد الأطرش "يا ريتنى طير لا طير حواليك"، على أنها من ألحان "الفنان الفلسطينى يحيى اللبابيدي، الذى كان يعمل آنذاك مديرا لقسم الموسيقى العربية بالإذاعة الفلسطينية". والحقيقة أن الكاتب خلط بين جنسية يحيى اللبابيدي،
وجنسية الإذاعة التى كان يعمل بها. صحيح أنه كان مديرا لقسم الموسيقى فى الإذاعة الفلسطينية، التى كانت تعرف أيضا باسم إذاعة القدس (وهى غير الإذاعة الفلسطينية الشهيرة الأخري، التى كانت معروفة باسم إذاعة الشرق الأدني، وكان مقرها فى جنين، ثم فى يافا بعد ذلك)، ولكن يحيى اللبابيدى لم يكن فلسطينيا، بل من أسرة لبنانية معروفة فى بيروت. 4 ـ فى سرد مطول لدعم الرأى القائل بأن الأفلام الغنائية العربية الحقيقية بدأت مع فريد الأطرش، وليس مع عبد الوهاب أو أم كلثوم، يرتكب الكاتب خطأ فادحا فى تاريخ أفلام كل من عبد الوهاب وأم كلثوم، فيؤكد أن آخر أفلام عبد الوهاب كان "ممنوع الحب" (1942)، وآخر أفلام أم كلثوم "عايدة" (1942). والحقيقة أن عبد الوهاب مثّل بعد ممنوع الحب فيلمين شهيرين هما "رصاصة فى القلب (1944) مع راقية إبراهيم، و"لست ملاكا" (1946) مع نور الهدى وليلى فوزى. أما أم كلثوم، فقد مثلت بعد "عايدة" فيلمين آخرين "سلامة" (1944) وفاطمة (1948). أما مسألة حصر صفة "البداية الحقيقية للسينما الغنائية" بفيلم "انتصار الشباب" لفريد الأطرش، فإن لمعظم (إن لم أقل لجميع ) النقاد السينمائيين والموسيقيين الجادين والمعروفين رأيا مخالفا. صحيح أن فريد الأطرش جاء فى انتصار الشباب وما تلاه من أفلام، يساهم فى إضافات مميزة للأغنية السينمائية (خاصة فى مجال الأوبريت الاستعراضى) ولكن ذلك لا يسمح لأحد بإلغاء ريادة عبد الوهاب والقصبجى وزكريا والسنباطى فى هذا المجال. (راجع البحث القيم للناقد السينمائى المعروف سمير فريد فى عدد سابق من "وجهات نظر"، عن دور عبد الوهاب الريادى فى السينما الغنائية). 5 ـ بعد ذلك، ينسب المقال إلى فريد الأطرش أنه لحن أول دعوة غنائية للوحدة العربية، فى أوبريت "غنا العرب" (من فيلم بلبل أفندي، 1948) وأوبريت "بساط الريح" (من فيلم آخر كذبة، 1950). وفى هذا الادعاء سعى آخر إلى شد الحقائق التاريخية من شعرها، وتدجينها أو إخفائها، لتسمح بتبرير الرأي المعد سلفا، أو الانطباع العام، القائم على اعتقاد ما، لا يريد الالتزام بالتسلسل الدقيق لوقائع التاريخ الموسيقى والغنائى. فقد غنت أم كلثوم فى مارس فى العام 1945، يوم تأسيس جامعة الدول العربية قصيدتها الشهيرة (شعر محمد الأسمر، ألحان زكريا أحمد) زهر الربيع، وذلك احتفاء بالملوك والرؤساء العرب الذين أسسوا الجامعة العربية. كما غنى عبد الوهاب فى الأربعينيات قصائد وطنية مضمخة بمشاعر الوحدة العربية مثل قصيدة دمشق، وقصيدة فلسطين (1948). 6 ـ ويتابع كاتب المقال فى هذا الموضوع بالذات، فينسب إلى فريد الأطرش أنه لحن "أجمل أغانى الوحدة وأخلدها على الإطلاق"، عند قيام دولة الوحدة بين مصر وسورية فى العام 1958"، وهى " الموسكى لسوق الحميدية" (1958) و"حموى يا مشمش" (1959)، وقد غنتها صباح. إن الكاتب لا يكتفى فى وصف هاتين الأغنيتين الجميلتين فعلا، بصفة "أجمل" و"أخلد" أغانى الوحدة، بل يضيف إلى ذلك وصفا ثالثا يذهب إلى أقصى ما فى اللغة من أفعل التفضيل والجزم والحسم، هو وصف "على الإطلاق". لا أدرى فى الحقيقة من أين أتى الكاتب بكل هذه الثقة فى التقييم "المطلق"، والكل يذكر ظهور أغنيات للوحدة، مع لحنى فريد الأطرش لصباح، مساوية على الأقل (بل ربما متفوقة) فى قوتها الإيقاعية واللحنية، إضافة إلى طابعها الشعبى العميق، مثل لحن محمود الشريف "على الأحباب سلام الله، وعالوحدة ما شاء الله" الذى غنته فايدة كامل، ولحن عبد العظيم عبد الحق "وحدة ما يغلبها غلاب" الذى غناه محمد قنديل، والمتضمن البيت الفائق الجمال: أنا واقف فوق الأهرام وقدامى بساتين الشام 7 ـ يحمّل الكاتب لحن قصيدة "عدت يا يوم مولدى" أحكاما تفضيلية مطلقة، مرة على لسان بليغ حمدي، فيؤكد أن فريد الأطرش "أعطى الموسيقى الشرقية أفكارا جديدة ومتطورة وممتازة وجريئة... لم يعطها أى ملحن آخر معاصر له"، ثم يضيف الكاتب من جعبته أن ما أحدثته هذه الأغنية من أثر فى تاريخ الغناء العربى يؤكد ما قاله بليغ حمدي، وأن الناقد الكبير كمال النجمي أكد ذلك أيضا عندما أشار إلى أن هذا اللحن خارج عن كل تقاليد تلحين القصيدة العربية. لا شك أولا بأن هذا اللحن يعد من أقوى وأجمل ما لحن فريد الأطرش، وأنه إضافة جيدة فى فصيلة التلحين المعاصر للقصيدة العربية، ولكن هل هو أول لحن من هذه الفصيلة، وهل هو لحن وحيد فى لونه، لم يلحن أحد قبله أو بعده، قصيدة لها هذه الصفات، كما يوحى الكاتب؟ على سبيل المعلومات فقط (وعلى سبيل المثال لا الحصر) نذكر نماذج من بعض ما فعله ع
فريد الأطرش.. رؤية أخرى
نشر في: 23 أكتوبر, 2009: 04:32 م