TOP

جريدة المدى > عام > هل سيجد صاحب (عدن مضاع) و(طيور السماء) في العشيرة بديلاً ؟*

هل سيجد صاحب (عدن مضاع) و(طيور السماء) في العشيرة بديلاً ؟*

نشر في: 7 يناير, 2013: 08:00 م

رشيد الخيونتكاثرت الخواطر عبر إتصال تلفوني، بعد انقطاع ثلاثة عقود من الزمن، مع القريب والصديق فاروق الخيُّون، حتى تحشدت لتصل إلى زمن ماقبل الثقافة، والوعي. كان فاروق طائراً متقاعداً تحطمت به طائرة (السيخوي) الحربية (صيف 1972) في صحراء السماوة، وفي ال

رشيد الخيون

تكاثرت الخواطر عبر إتصال تلفوني، بعد انقطاع ثلاثة عقود من الزمن، مع القريب والصديق فاروق الخيُّون، حتى تحشدت لتصل إلى زمن ماقبل الثقافة، والوعي. كان فاروق طائراً متقاعداً تحطمت به طائرة (السيخوي) الحربية (صيف 1972) في صحراء السماوة، وفي المنطقة التي طالما قطنها المنفيون السياسيون، ولما رمى بنفسه وهبط بمظلته على الأرض فقد الوعي، وقال عند استجوابه حول الحادث، وكنا نحيط به في المستشفى العسكري بالبصرة: اصطدمتُ بحمار! وكان انبعاثه إلى الحياة أمراً لا يقل عجباً من انبعاث طائر الفينيق!
عاد بي الهاتف إلى زمن كان يشرح فيه معلمنا فهد الأسدي أعضاء رأس الإنسان، على وسيلة إيضاح: جمجمة وجدها في مقابر أطراف المدينة المتناثرة، وهي عادة تكون لأطفال أو لغرباء قتلوا فتحول الماء في وسط الأهوار إلى قبر طائف، أو لأموات الصابئة المندائيين، وكم تبدو رحيمة قبور الماء إذا خلت من الوحوش! كانت منطقتنا زاخرة ومباركة بالمندائيين، وما نعرفه عنهم أنهم لا يكترثون للأجسام كاكتراثنا بها، لم يؤسسوا أضرحة ومزارات، ذلك لفلسفة دينية مؤداها: أن المحافظة على القبر، وشاهده باقة من القصب، لاتتجاوز الخمسة والأربعين يوماً، وهي فترة التهيئة لعروج الروح إلى السماء في سفن استلوا منها شكل القارب (المشحوف)، فبعدها لم يبق للجسد معنى، فهو مجرد طين وتراب عاد إلى أصله مثلما عادت الروح إلى منزلها السماوي. أما مانسمع عنه اليوم من مقابر للصابئة فهو مجرد منافسة مع المحيط.
كانت الجمجمة التي يقدم عليها فهد الأسدي درسه داكنة اللون، يخزنها بعد الدرس في صندوق في مكتب الإدارة، وليس هناك مَنْ يعترض على وجودها. يدرك المحيطون بساطة المشهد، وأن دراسة علم الأحياء والتشريح في كليات الطب تتم عبر جثامين الأموات! لكن عندما تدخل السياسة حافزاً للإيذاء تتحول تلك الجمجمة إلى جريمة يسجن بسببها معلمنا، ناهيك عن مهرها بتهمة الشيوعية! ومن ذلك اليوم، ونحن طلبة الصف الثالث الإبتدائي لم نر الجمجمة، وقيل لنا أنها دفنت في طينة ما. وبقينا نمر على باب الموقف المشبك لنرى معلمنا مقرفصاً عنده ينتظر الفرج، وهو الذي حبب الينا جهة اليسار. بعد الجمجمة كان الأكثر أثراً من معلمنا حمامة السلام الكبيرة، المعروضة على عرض الميدان وسط قصبة المدينة، وأمام مركز الشرطة، الذي كان من قبل قصراً لمشيخة آل خيون. كان هيكل الحمامة من صنع فهد الأسدي، وهي بيضاء كبيرة الحجم، وكأن النبي نوح أطلقها تواً. أتذكر ثبات فهد أمام تظاهرة من الدهماء اجتاحت الطريق صوب دار عمي طارق الخيُّون، رئيس البلدية (الرجعي) والمحسوب على العهد الملكي، وهو يردهم وهم يصغون له والشيوعيون حالوا دون تقدم تلك التظاهرة للفتك بشيخ العشيرة، ومع ذلك احتفظ الشيخ برئاسة البلدية، وقد استبدل العقال والكوفية، لأنه موظف حكومي لايفرض تقاليده العشائرية على الدولة، بالبذلة الأوروبية! لكن تراجع الزمن إلى اللادولة جعل غازي الياور يستبدل البذلة بالعقال والدشداشة.
ظل فهد، ونحن أيضاً، ملتصقين بماضينا، نساير الكبير دون إغفال تكريمه بكلمة عمي، ودون تناسي تقبيل يده إذا أقتضت الضرورة، وخاصة شخص مثل ابن سالم الخيُّون الشيخ ثعبان الخيُّون. ولم نكن أولئك الثوريين الممتمردين هوساً ولفت نظر. بل كانت الثورية تسري في عروقنا هادئة وبمناصفة مع مضاداتها، من دون تصادم مع مشاعر وأحاسيس الآخرين. كانت العشيرة تقيمنا من أفواهنا، ولايترددون في احترام أهل اليسار، مع وصفهم دائماً بعبارة (أهل ثقافة). ولا أرى مصادمة بين يساريتي وما كان يراه والدي في تبدل الأحوال. سمعته قال لجمع من بني أسد: مثلما تتبدل الدنيا يجب أن نتبدل! وعندما سأله أحد أصدقائي الكربلائيين، وكنا ببغداد، كيف ترى بغداد بعد فراق المنطقة أجابه: "ألسنا نحن بالعراق"؟ ولم يعترض على زواج أخي من فتاة سُنُّية من الدليم، لكنه اعترض ثم وافق، لأنه أراد له زوجة من الأسرة،
*مجتزأ من مقال للكاتب نشر في المدى

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بوتين: علينا أن نختار السلام الذي يضمن أمننا

حظر تجوال شامل في طرطوس بعد أحداث "جبلة" الدامية

الصدر: أتابع "تيك توك" في أوقات الفراغ وبما يرضي الله

النفط: إنتاجنا من الغاز لا يسد حاجة محطات الكهرباء

النقل: 3 محافظات أكدت جاهزيتها لتنفيذ مشروع طريق التنمية

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram