TOP

جريدة المدى > عام > رحيل صاحب (حلب بن غريبه) فهد الأسدي يحلق مع طيور السماء

رحيل صاحب (حلب بن غريبه) فهد الأسدي يحلق مع طيور السماء

نشر في: 7 يناير, 2013: 08:00 م

بعد معاناة مع المرض، والإهمال من قبل المؤسسة الثقافية.. يرحل عنّا القاص فهد الأسدي، تاركاً أثراً إبداعياً مهماً.. فالأسدي شاخص بارز في السردية العراقية، وأحد الذين أسهموا في إغناء الاتجاه الواقعي في القصة العراقية على مدى نصف قرن. وبرحيله يكون الأدب

بعد معاناة مع المرض، والإهمال من قبل المؤسسة الثقافية.. يرحل عنّا القاص فهد الأسدي، تاركاً أثراً إبداعياً مهماً.. فالأسدي شاخص بارز في السردية العراقية، وأحد الذين أسهموا في إغناء الاتجاه الواقعي في القصة العراقية على مدى نصف قرن. وبرحيله يكون الأدب العراقي قد فَقَد احد أهم أعلامه.
 

* جاسم العايف/كاتب

وصلت سجن الحلة المركزي، قادما من سجن معسكر السليمانية العسكري، في أواسط شهر نيسان عام 1964 و لم أجد مكانا ليّ فيه إلا بعد أن تكرم احد المسجونين وآواني في القاووش المسؤول عنه مشترطا عليّ- بدماثة وحياء- بأن مكاني سيكون قرب الباب، وهذا يعني أن كل من يدخل إلى القاووش سينزع خفه قرب رأسي، وسيتقاطر ما علق بالخف عليّ، ويطأ فراشي، و يعبرني،سواء أكان ذاهبا أم عائدا. إزاء التعب الذي كنت عليه وافقت سريعاً. ما أن أزحت أخفاف أكثر من 95 نزيلا ، بعيدا، لأفرش بطانيتي ، ولارتاح من سفر دام ثلاثة أيام، حتى استغرقت في نوم عميق، لم أصحُ منه إلا عصراً، مهدم الجسم يعصرني الجوع، وتحيطني الخفاف من شتى الأنواع. بقيت على هذه الحالة ، مستوحشاً، ممداً ، فلمحت بالقرب مني مجلة بلا غلاف ، ولا عنوان ولكني خمنت تماما أنها مجلة الآداب البيروتية!. خمنت ذلك من حجمها ولون ورقها ، واعتيادي عليها وعالمها. تناولتها وبدأت بتصفحها، فوجدت فيها بعض الدراسات لأسماء كنت اقرأ لهم فيها، منهم جبرا إبراهيم جبرا ومطاع صفدي ود. لويس عوض ونجيب المانع ومعين توفيق بسيسو،وكمال عيد و خالد أبو خالد وفواز عيد و العراقي هادي العلوي يكتب عن " التراث الإسلامي" والشاعرة وفاء وجدي وغالب هلسا وصلاح عيسى وصبري حافظ وممدوح عدوان وفائز خضور وعلي الجندي ، وجيلي عبد الرحمن وآخرون غابوا عن الكتابة والحياة، تُرى مَنْ يعرف بعضهم الآن ويتذكرهم أو قرأ لهم شيئا ما!؟. وجدت أيضا مسرحية ، بعنوان  "بائع الدبس الفقير"، لكاتب مسرحي ،ينشر لأول مرة في المجلة ، اسمه سعد الله ونوس. وثمة قصص قصيرة ، منها قصة  لكاتب لم اقرأ له سابقا. كانت القصة بعنوان"الطفل والشاحنة" . مر بيّ احد السجناء وبعد أن وطئ فراشي بخفه، ورأى المجلة بيدي وحدق في اسم كاتب القصة، قال لي بزهو وفخر: انه ابن عمي وهو من هور الحمار ، رأيت الاسم فكان"فهد الاسدي" وأسفل القصة العبارة الآتية" الناصرية/هور الحمار".أول ما شدني لقصة "الطفل والشاحنة" التي ربما هي أول قصة قصيرة ينشرها فهد الاسدي في مجلة الآداب البيروتية - حلم الكتاب العصي على التحقق في ذلك الزمن -هو تلك الواقعية التي تؤكد أن ثمة من يتناول الواقع دون إسفاف واستنكاف وإنما يخضع ما يتناوله من الواقع  للشروط الفنية ومقتضيات  الفن و فضاءاته ، في زمن كانت الكتابة عن الواقع توصم بـ(العار الأدبي) وبقي الاسدي متمسكا بمشروعه في الكتابة الواقعية- الفنية دون أن يعبأ بصخب الستينيات وبعض نزعاتها الشكلية أو السقوط في هاوية العبثية واللامعقولية ، مثبتاً عن طريق إبداعه  القصصي- الفني إمكانية الواقعية الحديثة على التعبير عن تطلعات ومشاكل وهموم ومعاناة ومصائر الإنسان . تقدمت الأيام والسنوات وبات الاسدي قاصا معروفا وثمة (عدن مضاع وطيور السماء ومعمرة علي ..الخ)  وبقي فهد الاسدي ابناً وفياً لذلك العالم الواقعي المتخم بالعذاب والقهر، عالم الهور الواسع الفسيح .تتميز نتاجات فهد الاسدي بنمط من القص  ينحى فيه للربط بين تشابك الداخل/الخارج ،الزمان / المكان،الإنسان/ الطبيعة، وتتجذر رؤيته الفنية  وبؤرتها الدلالية عبر معرفة وخبرة في وظائف وطرائق السرد الذي يستعين بالذاكرة الفردية-الجمعية ، دون جاهزية الحكاية أو تموضعها في منطقة تقع خارج بنية المسرود وفضاءاته الدلالية ، وثمة تشابك  مع الواقع  وجدله و عبارته السردية تتميز بالكثافة والتركيز وتسهم بتقديم بانوراما عراقية شديدة الخصوصية والمحلية الجنوبية بالذات ،التي  تتزاحم فيها صباحات ونهارات الاهوار المكفهرة وغابات القصب والبردي وهي تحجب الرؤية بكثافاتها، والمجاديف والكوفيات و(العقل) ودشاديش (الخيش) الخشن وبنادق للصيد وخراطيشها وأخرى للثأر أو للانتقام، والخناجر المربوطة عند منطقة البطن دائما بحزام جلدي أو حبل مبروم ، والفالات ، والجواميس والخنازير والأبقار والفوانيس ورنين (هاونات) دلال القهوة عصرا، معلنةً ترحيبها المتواصل ومذكرةً بالضيف الذي قد حل هنا ، ولسعات "الحرمس" والبرغوث، سيد ليل ناس الأهوار ، والطين والحجر وزمجرة الرياح التي لا ترحم ، والمشاحيف والـ(طراريد) المطلية بقار الأسلاف السومريين. وظل القاص الاسدي ينقب في العذاب العراقي وهو يحاول النهوض من رماد أزمنة القمع والدماء والحرمان والأمراض الفتاكة والحروب ، واتضح ذلك في قصصه التي تنبع أحداثها من الحياة اليومية للهم العراقي، والجنوبي بالذات.
فهد الأسدي
* من مواليد قضاء الجبايش/ محافظة ذي قار/ العراق عام 1939.
* خريج كلية القانون لعام 1974 –1975.
* عمل لسنوات عديدة في التدريس، ثم امتهن المحاماة بعد تقاعده منه.
* بدأ النشر عام 1960 في مجلة (المثقف) البغدادية، ونشر العديد من نتاجه القصصي في الصحف والمجلات العراقية والعربية وخاصة (الأقلام) و(الآداب) اللبنانية وغيرهما.
* أصدر ثلاث مجموعات قصصية وهي: (عدن مُضاع) عن دار الكلمة عام 1969، و(طيور السماء) عام 1976 و(معمرة علي) عام 1994 عن دار الشؤون الثقافية في بغداد.
* له رواية بعنوان (الصليب – حلب بن غريبة ).
* أعدّت الفنانة عواطف نعيم مسرحية بعنوان ( مطر يمّه ) عن أحد أعماله.
* أعد عن قصصه سيناريوهان أحدهما (حلب بن غريبة) والثاني (الشبيه).
* ترجمت أعماله القصصية للغات الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية،الروسية، المجرية والكرواتية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

السحب المطرية تستعد لاقتحام العراق والأنواء تحذّر

استدعاء قائد حشد الأنبار للتحقيق بالتسجيلات الصوتية المسربة

تقرير فرنسي يتحدث عن مصير الحشد الشعبي و"إصرار إيراني" مقابل رسالة ترامب

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: هاينريش بيبر والمسبحة الوردية

نادي المدى الثقافي يبحث في أشكال القراءة وأدوارها

حركة الشعر الحر وتحديث الأدب السعودي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

مدخل لدراسة الوعي

مقالات ذات صلة

مدخل لدراسة الوعي
عام

مدخل لدراسة الوعي

لطفية الدليمي تحتل موضوعة أصل الأشياء مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية. الموضوعات التأصيلية الأكثر إشغالاً للتفكير البشري منذ العصر الإغريقي ثلاثة: أصل الكون، أصل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram