في اليوم الذي عبر فيه 1800 لاجئ سوري الحدود إلى الأردن، كان الرئيس السوري بشار الأسد، وبعد غياب استمر لسبعة أشهر سال فيها الكثير من الدماء، يلقي خطاباً انتظره الكثيرون، علّه يقول فيه جديداً، لكن الصورة أوحت بأن الأسد، يجهل أو يتجاهل أن في بلاده ثورةً تطالب بإطاحته ، أو كأن من يزوده بأخبار البلاد والعباد، يزيّن له الوضع، ويبشّره بأن النصر على الإرهاب، بات قاب قوسين أو أدنى، وهو تحدث وكأنه ما زال يسيطر على الأوضاع، مع أن الحقائق تقول عكس ذلك، وقد أفرط في تفاصيل ما قال إنه الحل، مع أن الخطاب لم يتعد إعادة إنتاج نفس الأفكار التي طرحها منذ بداية الأزمة الطاحنة في بلاد الشام.
لم يكن منتظراً من العالم، قراءة خطاب الأسد على غير صورته الحقيقية، والمتمثلة في كونه خطاباً مراوغاً، ألقاه شخص يبدو منعدم الصلة بما يجري في بلاده والمنطقة، فهو ما زال يظن أن نظامه يمتلك الوقت الكافي، لقيادة تغيير صوري، يتضمن تشريع قوانين مناسبة بعد دستور جديد وانتخاب برلمان، وكأن صوت المعارك لم يكن يتردد صداه في محيط قصره الجمهوري وعلى كل بوابات الشام، وكأن دماء أكثر من ستين ألف قتيل، لم تسل إلا لكتابة لافتات الولاء للأبد، وإذا كانت المعارضة رفضت مضامين الخطاب، ومعها العالم، فإن المتابع للأزمة السورية، ينتظر رد الفعل الروسي، مع أن موسكو كما بدت في الفترة الأخيرة، باتت مقتنعةً بعجز الأسد عن توفير العلاج لمعالجة جراح بلده النازفة.
رغم الثقة المصطنعة، كان واضحاً أن الأسد، بات على قناعة بعدم القدرة على إحراز نصر عسكري، حتى وإن كان قادراً على الصمود لشهور أو حتى لسنوات، بسبب الدعم الخارجي القادم من إيران بالدرجة الأولى، ومن روسيا أيضاً، لكن الواضح أن صاحب القرار في دمشق، يظن أن معارضيه ليسوا في أحسن حالاتهم، رغم انتصاراتهم المتوالية والبطيئة على الأرض، وهو اليوم يراهن على الموقف الدولي " الأميركي تحديداً "، وهو موقف بات أكثر ميلاً لتسوية تبقي بشار ضعيفاً وتابعاً، بدل المراهنة على بديل غير مضمون، ولتزيين الصورة ستكون هناك معارضة، لا تمتلك المخالب، وترضى بالقليل، بعد أن خذلها العالم، ومنع تسليحها، لتتمكن من حسم الأمور لصالح الشعب السوري، وطموحاته المشروعة.
أفكار الأسد المطروحة في خطابه، تأتي متخلفةً بمراحل عن جوهر ما طرحه المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، وحتى عن مبادرة جنيف، هي بمجملها أفكار تندرج تحت سقف الأسد الشخصي تحديداً، واستطراداً برعاية نظامه، وتتجاهل الثورة وتضحياتها، مستدعية بدلاً منها حراكاً احتجاجياً يطالب بالإصلاح، وكأن الرجل لم يسمع بالدعوات لتنحيه، كخطوة أولى في طريق الحل، الضامن لوحدة التراب السوري، والمانع لاندلاع حرب أهلية طائفية وفر لها بسياساته كل المستلزمات، وهو حتى لم يتطرق إلى مصير عشرات الألوف من العسكريين المنشقين عن نظامه، والذين أدى انشقاقهم إلى تطييف الجيش السوري.
وبعد، فقد كان السوريون يأملون بخطاب مختلف، موجه إليهم وليس إلى المجتمع الدولي، كانوا يأملون باعتراف رأس النظام ً بالأخطاء والاستعداد لتحمل المسؤولية والمحاسبة، كانوا يأملون باعتراف الأسد بأن هناك معارضة، وليس مجرد مجموعات إرهابية، وأن هذه المعارضة سواء كانت داخلية، أو في المنفى، جديرة بالحوار، والمشاركة في صنع المستقبل، وبناء الدولة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى قائماً في البلاد، بعد كل ما لحقها من دمار، كانوا يتوقعون من رئيسهم، إن لم يكن أدرجهم في عداد الأعداء، أن يضع بين أيديهم خطوات قابلة للتنفيذ على الأرض، لا وعود محلقة في السماء، وكانوا يتوقعون أن يبحث معهم مصيره ومستقبله، بعد أن تحدث الجميع في هذه المسألة، وظل هو الصامت الوحيد حيالها.
الأسد.. هل قال جديداً ؟
[post-views]
نشر في: 7 يناير, 2013: 08:00 م