ما الموقف الذي يتعيّن اتخاذه من الأزمة السياسية الراهنة؟
هذا السؤال معفو من الإجابة عنه الأعضاء والأنصار والمستفيدون في الأحزاب والكتل والائتلافات المنتجة لهذه الأزمة والمتورطة في تفاقمها، فهم منحازون إلى قيادات أحزابهم وكتلهم وائتلافاتهم حقاً وباطلاً، وسنحتاج إلى وقت طويل لكي يتطور وعينا إلى الحد الذي يجعل عضو الحزب أو الكتلة أو الائتلاف يتبنى دونما خوف موقفاً معارضاً لموقف قيادته إن اعتقد أن هذه القيادة على خطأ، كما هو حاصل في البلدان الديمقراطية المتطورة.
هؤلاء الأعضاء والأنصار والمستفيدون، على أية حال، لا يشكلون في مجموعهم الا نسبة ضئيلة من عديد الشعب العراقي، فالانتخابات التي أجريت منذ ثلاث سنوات قاطعها نصف الناخبين تقريباً (المؤهلين للتصويت)، ولم تذهب أصوات الذين اقترعوا بالفعل كلها إلى الأعضاء الحاليين في البرلمان والحكومة، ذلك أن نسبة غير قليلة من الأصوات سرقتها الكتل الكبيرة المهيمنة على البرلمان والحكومة ووزعتها على مرشحيها من دون وجه حق وبالضد من حكم الدستور.
الأزمة السياسية الراهنة، وهي بالأحرى مرحلة متفاقمة في أزمة مستمرة منذ الانتخابات الأخيرة، بل منذ انتخابات 2005، أنتجتها وتدفع بها إلى المزيد من التفاقم القوى المتنفذة في البرلمان والحكومة سعياً لتحقيق أهداف خاصة بها وبأطماعها ولا علاقة لها بمصالح الشعب العراقي، بل إنها تلحق أفدح الأضرار بهذه المصالح.
الموقف الصحيح الذي يتعين أن نتخذه، وبخاصة المثقفين، هو التنديد بكل المنتجين لهذه الأزمة والمتورطين فيها والداخلين على خطوطها، وهم جميعاً أمراء حرب وملوك طوائف يسعون الى أن يجعلوا منا وقوداً لحروبهم الطائفية وصراعاتهم من اجل السلطة والنفوذ والمال.
مَن هم الذين يسقطون قتلى وجرحى ومعاقين ومتضررين مادياً في عمليات التفجير التي يقف وراء النسبة الأكبر منها زعماء الأحزاب والكتل والائتلافات المتنفذة في البرلمان والحكومة؟ إنهم نحن الناس العاديين وليس هؤلاء الزعماء وأفراد عائلاتهم وحاشياتهم.
مَن هم الذين يتدهور مستوى حياتهم فيبقون سنة بعد أخرى (للسنة العاشرة على التوالي) تحت خط الفقر وبلا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا حصة تموينية "مال أوادم" ولا مستشفيات ومدارس ومساكن مناسبة ولا نظام للصرف الصحي يحول دون غرق المدن مع أول مطرة ودون تحوّل الدرابين والشوارع والساحات إلى مستنقعات للمياه الآسنة؟ إنهم ليسوا هؤلاء الزعماء وأفراد عائلاتهم وحاشياتهم، بل نحن الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي، بمن فينا الذين أعطوا أصواتهم لهؤلاء ومكّنوهم من أن يهيمنوا على مقدراتنا ويتلاعبوا بعبثية واستهتار بمصائرنا.
الموقف الصحيح أن نكون ضد هؤلاء جميعاً، فهم كلهم من أنتج هذه الأزمة ويدفع بها على طريق التفاقم، وهم من أنتج قبلاً مئات الأزمات والمشاكل والصراعات فأبقونا على ما نحن فيه من غياب الأمن والسلام والحرية والكرامة والتنمية، وهم من سينتج مئات أخرى من الأزمات والمشاكل، فهم من أوجد نظام المحاصصة والتوافق اللئيم حتى لا يتحقق لنا النظام الديمقراطي.
ضدهم كلهم .. واللعنة عليهم جميعاً.