لم تخترع المدى قصة الفساد الذي ينخر جسد مؤسسات الدولة، ولم تختلق المدى ملفات سرقة المال العام والخروقات الأمنية.. ولم تطلب من العراقيين الصراخ على صفحاتها ضد ما يجري من تخريب في البلاد، وإشاعة روح الانتهازية واللصوصية..
كل ما جرى من وقائع، وما تنشره المدى موجود على ارض الواقع، فضلا عن كونه موثقا، ووجدنا مسؤولين كثيرين بدأوا يتحدثون علنا عن أزمة ثقة بين الحكومة والمواطن وتجارب و"مهازل" سابقة جعلت المواطن يفقد الثقة في كل شيء تفعله الحكومة حتى لو كان صحيحا.
غير أن ردود الأفعال داخل مكتب رئيس الوزراء والمقربين منه دائما ما تأتي منفلتة ومنزعجة ومزعجة على نحو مبالغ فيه، ذلك أن أحدا منا نحن العاملين في المدى لم يدس ملفا للفساد في احد إدراج الحكومة، كما أن المسألة لا تحمل أي أبعاد تتعلق بحالة عطش نعانيها من اجل الحصول على المناصب والمنافع مثل الحالة التي تسيطر على معظم العاملين في مكتب رئيس الوزراء.
وما دامنا لا ننافس السادة الجالسين في المنطقة الخضراء، فلم يكن مطلوبا ولا منطقيا ان يخرج علينا أعضاء "مقاطعة" رئاسة الوزراء والمقربين منهم بمواعظ في الوطنية ودروس في أصول المهنة، أو أن يفتحوا الباب لإقحام الأجندات الخارجية التي أصبحت نغمة نشاز لتحقيق هدف واحد وحيد هو إظهار المدى وكأنها جريدة تريد أن تخطف كرسي رئاسة الوزراء من السيد المالكي.
ولعل آخر ابداعات القائمين على مكتب رئيس الوزراء، هي رفض العاملين فيه الإجابة على أسئلة صحفية يوجهها صحفيو المدى.. لنجد أن الإجابة الجاهزة: لا نتحدث فانتم أعداء للسيد رئيس الوزراء.. وإذا كان من حق نائب ألاّ يجيب على سؤال لصحفي، فاعتقد انه ليس من حق موظف يتقاضى راتبا حكوميا أن يمتنع عن الإجابة.. ففي بادرة لا تمت الى مهنة الاعلام بصلة لم يوافق السيد علي الموسوي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء الإجابة على استفسارات لأحد زملائنا بالصحيفة، ولم يكتف السيد المستشار بذلك بل وجدناه يلقي على أسماعنا محاضرة في أصول المهنة، وكيف يمكن لصحيفة أن تحصل على تصريح من مكتب رئيس الوزراء، والتي لخصها السيد المستشار بحالة الرضا التي يجب ان يحظى بها الصحفي من قبل القائمين على شؤون المكتب .
نعرف ان رئيس الوزراء لا يزال يواصل اتهامه لكل المختلفين معه بالعمالة والتخريب.. لكن السيد المستشار الاعلامي أضاف المدى إلى قائمة " المخربين " ليس لأن الصحيفة شاركت في صفقة فساد الاسلحة الروسية، او انها تسعى للسيطرة على الهيئات المستقلة..، أو أصدرت أوامر بضرب المتظاهرين في ساحة التحرير.. لكنها "المدى" فعلت ما هو ابشع من ذلك في نظر المستشار، لانها سمحت بنشر الرأي المغاير لرأي لمكتب رئيس الوزراء، فتحولت في نظره الى مخربة، وإذا كان المستشار الإعلامي غير مقتنع بما تكتبه المدى، ولكن ليس من حقه اعتبار منصبه الحكومي هبة ينعم بها سيادته على العراقيين وعليهم الحمد والشكر على هذه النعمة، وسنكون أكثر سذاجة ونصدق أن سعيه للحصول على المنصب الحكومي هو خدمة وطنية أكثر مما هو منفعة شخصية.
للاسف ينسى السيد المستشار أن التغيير في العراق يفترض انه قام على تغيير نمط التفكير التآمري والتخوين والمستبد والإقصائي والرافض للرأي الآخر الذي كان سائداً قبل عام 2003، لكن الخطورة أن هذا الحديث "الموسوي" يعبر عن نمط التفكير ذاته، وبالتالي فلا مانع أن يضمنا إلى قائمة المخربين الذين يحمل قوائمهم في درج مكتبه.
يذكر كاتبو سيرة هتلر أن أﺣﺪ ﻣﺴﺘﺸﺎريه اقترح عليه أن ﺗﺘﻀﻤﻦ خطبه إﺷﺎدة ﺑﺎﻷﺣﺰاب اﻷﺧﺮى، فأجابه هتلر ساخرا: هل رأيت ﻣﺮة ﺷﺮﻛﺔ ﺻﺎﺑﻮن ﺗﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻧﺘﺎج غيرها؟
وبهذه المناسبة نرجو من أصحاب معمل صابون الوطنية أن يعلنوا لنا بوضوح، هل معارضة السيد المالكي تخرج صاحبها من الملة والدين وتنزع عنه الجنسية العراقية؟
ويا ايها السيد المستشار حل المشاكل يبدأ من طرحها للنقاش ومواجهة الأخطار يبدأ بفتح حوار حولها.. ولا أمل في أي إصلاح إذا تمسكتم باستخدام مساحيق غسيل رخيصة ومبتذله، لأنها في النهاية ستظهر العيوب أكثر مما تخفيها.
جميع التعليقات 2
كمال
كلما اقرأ كتاباتك ..كلما اكتشف كم انت رائع . تحية ودودة لك ايها الطيب ...
كمال
كلما اقرأ كتاباتك ..كلما اكتشف كم انت رائع . تحية ودودة لك ايها الطيب ...